للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ الظَّنَّ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ إذَا قُلْنَا إنَّ الِاسْمَ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ الْإِدْرَاكِ وَالْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ إذَا قُلْنَا إنَّ الِاسْمَ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ الْمُدْرَكِ، وَإِلَى الْإِشَارَةِ إلَى كَوْنِ الْفِقْهِ يُقَالُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ تَعَرَّضَ لَنَفْيِهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ التَّعْرِيفِ، وَكَالِاصْطِلَاحِ بِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ، وَمِنْهُ مَا هُوَ ظَنِّيٌّ، وَقَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كُلُّ مَنْ ظَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ، وَمِنْ الْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ مِنْ الْفِقْهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مُسَمَّى الِاسْمِ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الِاصْطِلَاحَاتِ أَحْسَنُ أَوْ مُتَعَيِّنٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مُتَعَيِّنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَقِيهِ الْمُجْتَهِدُ لِمَا ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ، وَأَنَّ الثَّالِثَ أَحْسَنُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْمُدْرَكِ، وَمَا زَالَ الْعَمَلُ فِي التَّدْوِينِ لَهُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى هَذَا، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ جُمْلَةُ الْفِقْهِ بِهَذَا الْمَعْنَى مَا بَقِيَتْ دَارُ التَّكْلِيفِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ حُصُولِهِ أَجْمَعَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ، وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ إذْ لَا قَائِلَ بِتَوَقُّفِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الِاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدِ عَلَيْهِ بِرُمَّتِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي الْوَاقِعِ لِيَنْتَفِيَ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ تَمَامِ جُمْلَتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(ثُمَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ) ، وَهُوَ كَوْنُ الْفِقْهِ الظَّنَّ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْفِقْهِ هُوَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَظْنُونَةَ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ (يَخْرُجُ مَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ) أَيْ يَخْرُجُ مِنْ الْفِقْهِ مَا صَارَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الْمَعْرُوفِ انْتِسَابُهَا إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ صَارَ التَّصْدِيقُ بِهِ كَالتَّصْدِيقِ الْبَدِيهِيِّ فِي الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ حَتَّى اشْتَرَكَ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مِنْ الدِّينِ الْعَوَامُّ الْقَاصِرُونَ وَالنِّسَاءُ النَّاقِصَاتُ كَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَوَجْهُ الْخُرُوجِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْعِنَادَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ مَفْهُومًا قَائِمٌ وَكَذَا يَخْرُجُ هَذَا مِنْ الْفِقْهِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ عَلَمًا، وَاشْتَرَطَ فِي كَوْنِهِ مُتَعَلَّقًا بِالْأَحْكَامِ وَالْأَعْمَالِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا أَنْ يَكُونَ عَنْ اسْتِدْلَالٍ قِيلَ: وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفِقْهَ لَمَّا كَانَ لُغَةً: إدْرَاكُ الْأَشْيَاءِ الْخَفِيَّةِ حَتَّى يُقَالُ فَقِهْت كَلَامَك وَلَا يُقَالُ فَقِهْت السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ خُصَّ بِالْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ وَلَا يَخْرُجُ هَذَا مِنْ الْفِقْهِ عَلَى قَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ أَوْجُهٌ فَإِنَّهُ يُلْزِمُ الْمُخْرِجَ إخْرَاجَ أَكْثَرِ عِلْمِ الصَّحَابَةِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا مِنْ الْفِقْهِ فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَهُمْ لِتَلَقِّيهِمْ إيَّاهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِسًّا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ بَعْدَ هَذَا فَكَذَا مَا يُفْضِي إلَيْهِ.

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَالْجَوَابُ عَنْ النُّكْتَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِقْهَ لُغَةً مَا ذَكَرْت فَقَدْ نَصَّ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ الْفَهْمُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ، وَعَلَى هَذَا لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ فَقِهْت السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ كَمَا لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ فَهِمْتهمَا بِمَعْنَى عَلِمْتهمَا وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلَعَلَّ الْمَانِعَ أَنَّ الْفَهْمَ إنَّمَا يُذْكَرُ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مِنْ الْمَحْسُوسَاتِ وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَالِاصْطِلَاحِيِّ فِي خُصُوصِ هَذَا الْوَصْفِ وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ بِلَازِمٍ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِهِ، وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَاشْتِرَاطُهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذَا فَإِنَّ ظُهُورَهُ إلَى هَذَا الْحَدِّ إنَّمَا هُوَ بِعَارِضِ كَوْنِهِ قَدْ صَارَ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْعُرُوض لَهُ بِمَانِعٍ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ الْفِقْهِ، وَكَذَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ قَطْعًا مِنْ الْأَحْكَامِ لِلْأَعْمَالِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ، وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إذَا كَانَ مُصَرِّحًا بِهَذَا اللَّازِمِ لَوْ قَالَ: وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْرُجُ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ قَطْعًا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ حِينَئِذٍ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.

(وَأَمَّا قَصْرُهُ) أَيْ الْفِقْهَ (عَلَى الْيَقِينِ) أَيْ يَقِينِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِأَنْ جَعَلَ اسْمًا لَهُ حَيْثُ كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْإِدْرَاكِ (وَجَعَلَ الظَّنَّ فِي طَرِيقِهِ) أَيْ هَذَا الْيَقِينِ، وَهُوَ مُقَدِّمَتَا الْقِيَاسِ الْمُوَصَّلِ إلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا الصَّنِيعِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ، وَمَنْ تَبِعَهُ كَالْبَيْضَاوِيِّ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ تَعَرَّضَ لِاعْتِرَاضِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ تَعْرِيفَ الْفِقْهِ بِالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِقَوْلِهِ قِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>