مَنْ بِمَشِيئَةِ الْمُخَاطَبِ) فِي مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ (وَصْفٌ خَاصٌّ) لِإِسْنَادِهَا إلَى خَاصٍّ فَيَبْقَى مَعْنَى الْخُصُوصِ مُعْتَبَرًا فِيهَا مَعَ صِفَةِ الْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ بَعْضًا عَامًّا (وَعُمُومُهَا) أَيْ الْمَشِيئَةِ إنَّمَا هُوَ (بِالْعَامِّ) أَيْ بِوَاسِطَةِ إسْنَادِهَا إلَى الْعَامِّ الَّذِي هُوَ مِنْ (كَمَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي) وَقَدْ وُصِفَتْ بِهَا مَنْ فَأَسْقَطَ الْوَصْفُ بِهَا الْخُصُوصَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ (دُفِعَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ وَصْفِهَا) أَيْ مَنْ (فِيهِ) أَيْ فِي مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ (بِكَوْنِهَا) أَيْ مَنْ (مُتَعَلَّقَ مَشِيئَتِهِ) أَيْ الْمُخَاطَبِ (وَهُوَ) أَيْ مُتَعَلَّقُ مَشِيئَتِهِ (عَامٌّ) فَتَعُمُّ الْمَشِيئَةُ بِعُمُومِهِ
فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقِ مَشِيئَتِهِ، وَإِنَّمَا مُتَعَلِّقُهَا عِتْقُهُ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ قُلْت: لَمَّا كَانَ عِتْقُهُ مَصْدَرًا مُضَافًا إلَيْهَا وَهُوَ إنَّمَا كَانَ مَفْعُولًا بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ إلَيْهَا قِيلَ بِنَوْعٍ مِنْ الْمُسَامَحَةِ إنَّهَا مُتَعَلَّقُ مَشِيئَتِهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا مَا فَلِغَيْرِ الْعَاقِلِ) وَحْدَهُ نَحْوُ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] (وَلِلْمُخْتَلِطِ) مِمَّنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الحديد: ١] وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِمَنْ يُعْلَمُ إذَا قُصِدَ بِهِ التَّعْظِيمُ كَمَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ نَحْوُ {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥] {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] (فَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فِي إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا بِنَاءً عَلَى عُمُومِ مَا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا؛ إذْ الْحَمْلُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَأُورِدَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بِمَعْنَى شَيْءٍ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إنْ كَانَ شَيْءٌ هُوَ فِي بَطْنِك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا.
قُلْت وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ أَكْثَرُ مِنْهَا مَوْصُوفَةً فَحُمِلَتْ عَلَى الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا سَوَاءً فَالْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ (وَفِي طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت لَهَا الثَّلَاثُ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (ثِنْتَانِ وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (كَاَلَّتِي قَبْلَهَا) فِي مَنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِيَّةٌ عِنْدَهُمَا تَبْعِيضِيَّةٌ عِنْدَهُ (وَقَوْلُهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ) أَيْ الْكَلَامِ (عَلَى الْبَيَانِ) طَلِّقِي نَفْسَك (مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاثُ) وَالْوَجْهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ اهـ.
يَعْنِي: إذَا كَانَتْ مَا مَعْرِفَةً وَعَدَدًا شِئْت هُوَ الثَّلَاثُ إذَا كَانَتْ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً لِأَنَّ ضَابِطَ الْبَيَانِيَّةِ صِحَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَكَانَهَا وَوَصْلُهَا بِضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ مُنْفَصِلٍ مَعَ مَدْخُولِهَا إذَا كَانَ الْمُبَيَّنُ مَعْرِفَةً وَصِحَّةُ وَضْعِ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ الْمَرْفُوعِ مَوْضِعَهَا لِتَكُونَ مَعَ مَدْخُولِهَا صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا إذَا كَانَ الْمُبَيَّنُ نَكِرَةً حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠] الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: ٣١] أَسَاوِرُ هِيَ ذَهَبٌ وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هَذَا فَهُوَ مُفَوِّضٌ لِلثَّلَاثِ إلَيْهَا (وَطَلِّقِي مَا شِئْت وَافٍ بِهِ) فَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى مِنْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْبَيَانُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُبَيَّنِ (فَالتَّبْعِيضُ) أَيْ فَكَوْنُ التَّبْعِيضِ مُرَادًا مِنْهُ (مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ) عَلَيْهِ (أَظْهَرُ) لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ ضَابِطِ التَّبْعِيضِيَّةِ فِيهَا، وَهُوَ صِحَّةُ وَضْعِ بَعْضٍ مَوْضِعَهَا.
(وَأَمَّا كُلٌّ فَلِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْهُ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ) أَيْ مَدْخُولِهَا (غَيْرُهُ) أَيْ مَدْخُولِهَا (فِي الْمُنَكَّرِ) الْمُفْرَدِ نَحْوُ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥] وَالْمُثَنَّى نَحْوُ كُلُّ رَجُلَيْنِ جَمَاعَةٌ وَشَهَادَةُ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَالْمَجْمُوعِ نَحْوُ
وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ ... دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الْأَنَامِلُ
وَكُلُّ مُصِيبَاتٍ تُصِيبُ فَإِنَّهَا ... سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةُ الْخَطْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute