للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ الْجَوَابِ لِلْمُكَلَّفِينَ أَوْ خُصُوصُهُ بِبَعْضِهِمْ (وَالْقَطْعُ أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ لِلْمُكَلَّفِينَ (إنْ ثَبَتَ فِي نَحْوِ) نَعَمْ جَوَابًا لِقَوْلِهِ (أَيَحِلُّ لِي كَذَا فَبِقِيَاسٍ) لَهُمْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ عِلَّتِهِ فِيهِمْ كَمَا فِيهِ (أَوْ بِنَحْوِ وَحُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ) حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ النُّصُوصِ الْمُفِيدَةِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا (لَا مِنْ نَعَمْ) فَقَطْ، وَهَذَا لَا يُنَافِي خُصُوصَهُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخُصُوصِ.

(وَأَمَّا) الْجَوَابُ (الْمُسْتَقِلُّ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فَلِلْعُمُومِ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَقِلِّ مَا يَكُونُ وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السَّبَبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سُؤَالًا، نَحْوَ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَالنَّتْنُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ فَقَالَ إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ وَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَوْ حَادِثَةٌ كَمَا لَوْ شَاهَدَ مَنْ رَمَى إهَابَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) عَلَى مَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الَّذِي صَحَّ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْأَلْفَاظُ وَمَشَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَبَيَّنَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي مَنَاقِبِهِ، وَهْمَ نَاقِلِ الْأَوَّلِ عَنْهُ بِمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ نَعَمْ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْقَفَّالُ وَالدَّقَّاقُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إلَيَّ كَانَ وُقُوعَ حَادِثَةٍ (لَنَا أَنَّ التَّمَسُّكَ بِاللَّفْظِ، وَهُوَ عَامٌّ) وَلَا مَانِعَ مِنْ إجْرَائِهِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ ثَمَّ مَانِعٌ، وَهُوَ خُصُوصُ السَّبَبِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَخُصُوصُ السَّبَبِ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ غَيْرِهِ) أَيْ ذِي السَّبَبِ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي عُمُومَهُ فَكَيْفَ يُخَرَّجُ غَيْرُهُ.

(وَتَمَسَّكَ أَصْحَابُهُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ بِهَا) أَيْ بِالْأَجْوِبَةِ الْعَامَّةِ الْوَارِدَةِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ (كَآيَةِ السَّرِقَةِ، وَهِيَ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ أَوْ الْمِجَنِّ) كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّفَاسِيرِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقِ الدِّرْعِ الَّذِي ذُكِرَتْ قِصَّتُهُ فِي الْآيَاتِ الَّتِي مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ فِيهَا {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١٠٨] بَلْ سِيَاقُ قِصَّةِ الْقَطْعِ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ يُفِيدُ تَأَخُّرَ وُقُوعِهَا عَنْ نُزُولِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ الْمَخْزُومِيَّةَ الَّتِي سَرَقَتْ وَذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ إنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَآيَةُ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ) كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَيْضًا وَتَعَقَّبُوهُ بِأَنَّهَا إنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَزَوْجَتِهِ خَوْلَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَوَّلُ ظِهَارٍ فِي الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَامْرَأَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَلَيْسَ يَبْعُدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ حَدِيثِ «سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَيْهِ قَالَ كُنْت امْرَأً أُصِيبُ مِنْ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي فَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَخِفْت أَنْ يَقَعَ مِنِّي شَيْءٌ فِي لَيْلَتِي فَيُتَابَعَ بِي حَتَّى أُصْبِحَ فَظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ الشَّهْرُ فَبَيْنَمَا هِيَ تَخْدُمُنِي إذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَمَا لَبِثْت أَنْ نَزَوْت عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ خَرَجْت إلَى قَوْمِي فَقَصَصْت عَلَيْهِمْ خَبَرِي وَقُلْت لَهُمْ امْشُوا مَعِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَا وَاَللَّهِ مَا نَمْشِي مَعَك إنَّا نَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ فِيك الْقُرْآنُ أَوْ يَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيك بِمَقَالَةٍ يَلْزَمُنَا عَارُهَا فَانْطَلَقْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>