وَضَرَبَ زَوْجَتَهُ بِهِ فِي حَلِفِهِ إنْ بَرِئَ ضَرَبَهَا مِائَةَ ضَرْبَةٍ لَمَّا ذَهَبَتْ لِحَاجَةٍ فَأَبْطَأَتْ عَلَى مَا رُوِيَ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ أَرَادَ مَرَّةً الْخُرُوجَ مِنْ بَغْدَادَ فَاجْتَازَ فِي بَعْضِ سِكَكِهَا بِرَجُلٍ عَلَى رَأْسِهِ بَاقِلَاءُ، وَهُوَ يَقُولُ لِآخَرَ مَعَهُ لَوْ صَحَّ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] بَلْ كَأَنْ يَقُولَ اسْتَثْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّحَيُّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بَلْدَةٌ فِيهَا رَجُلٌ يَحْمِلُ الْبَقْلَ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهَا (وَلَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (مُقْتَصِرًا) عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّكْفِيرِ (إذْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) التَّكْفِيرُ (مُخَلِّصًا) مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ بَلْ كَأَنْ يَقُولَ فَلْيَسْتَثْنِ أَوْ لِيُكَفِّرْ خُصُوصًا (مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَيْسَرَ لَهُمْ دَائِمًا) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْلَى مِنْ التَّكْفِيرِ لِعَدَمِ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ عُرْضَةُ الْإِثْمِ وَحَيْثُ قَالَهُ (بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمَنْوِيٍّ وَغَيْرِهِمَا) دَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ مُتَأَخِّرًا.
(وَأَيْضًا لَمْ يَجْزِمْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَكَذِبٍ وَصِدْقٍ وَلَا عَقْدٍ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِثْنَاءِ وَدَعْوَى إلْحَاقِهِ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بَعْدَ حِينِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ قَطْعًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَدَفَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَتَبَ الْمَنْصُورِ) أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ ثَانِي الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيَّةِ فِي مُخَالَفَةِ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ الِانْفِصَالِ (بِلُزُومِ عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ الْبَيْعَةِ) فَقَالَ هَذَا يَرْجِعُ عَلَيْك أَفَتَرْضَى لِمَنْ يُبَايِعُك بِالْأَيْمَانِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِك فَيَسْتَثْنِيَ فَاسْتَحْسَنَهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ إنَّ الَّذِي أَغْرَاهُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَأَنَّهُ أَجَابَهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ قَالَ نِعْمَ مَا قُلْت، وَغَضِبَ عَلَى بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ (قَالُوا: أَلْحَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا بَعْدَ سَنَةٍ» قُلْنَا بِتَقْدِيرِ اسْتِئْنَافٍ لَأَغْزُوَنَّ) أَيْ هُوَ مُلْحَقٌ بِمُسْتَأْنَفٍ مُقَدَّرٍ هُوَ لَأَغْزُوَنَّ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا (وَحَمْلُهُ) أَيْ الْفَصْلَ (عَلَى السُّكُوتِ الْعَارِضِ مَعَ نَقْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مُمْتَنِعٌ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قُلْت لَكِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ كَابْنِ الْحَاجِبِ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِلَفْظِ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ» كَمَا هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ، وَإِرْسَالِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ إذَا لَمْ يَغْزُهُمْ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ وَكَانَ ثَابِتًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّ سِمَاكًا كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَعَابُوا عَلَيْهِ أَحَادِيثَ كَانَ يَصِلُهَا، وَهِيَ مُرْسَلَةٌ وَصَوَّبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ رِوَايَةَ الْإِرْسَالِ.
وَأَمَّا ذِكْرُ السَّنَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ مَعَ الزِّيَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يُكَفِّرْ، وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ (قَالُوا «سَأَلَهُ الْيَهُودُ عَنْ مُدَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ فَقَالَ غَدًا أُجِيبُكُمْ فَتَأَخَّرَ الْوَحْيُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أُنْزِلَ وَلَا تَقُولَنَّ الْآيَةَ فَقَالَهَا أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ» وَلَا كَلَامَ يَعُودُ عَلَيْهِ إلَّا قَوْلُهُ غَدًا أُجِيبُكُمْ وَلَوْلَا صِحَّةُ الِانْفِصَالِ لَمَا ارْتَكَبَ هَذَا (قُلْنَا) هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الْمَغَازِي الْكُبْرَى لِابْنِ إِسْحَاقَ بِسِيَاقٍ فِي بَعْضِهِ مَا يُنْكَرُ وَفِي سَنَدِهِ مُبْهَمٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَلَمْ أَرَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. انْتَهَى. ثُمَّ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ عَوْدِهِ إلَى غَدًا أُجِيبُكُمْ وَكَيْفَ وَقَدْ انْقَضَى الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ بِالْإِجَابَةِ فِيهِ وَبَعْدَهُ أَيَّامٌ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِمُسْتَأْنَفٍ مُقَدَّرٍ نَحْوُ أُجِيبُكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ (كَالْأَوَّلِ جَمْعًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا (وَيَجُوزُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا (أَمْتَثِلُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ أُعَلِّقُ كُلَّ مَا أَقُولُ إنِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute