للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] فَاسْتَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ هَكَذَا. انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ، نَعَمْ أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ قَالَ: يُسْتَثْنَى وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَنَقَلَ هَذَا صَاحِبُ الْكَشْفِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَمَّا السَّنَةُ فَنَقَلَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَازِرِيُّ وَأَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إلَى سَنَةٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذَا {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] قَالَ إذَا ذَكَرَ اسْتَثْنَى وَكَانَ الْأَعْمَشُ يَأْخُذُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ مَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ سَمِعْته مِنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا حَدَّثَنِي بِهِ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ. انْتَهَى. فَإِنَّ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَعْلُولٌ، وَأَنَّ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَمُجَاهِدِ وَاسِطَةً، وَهُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الشَّيْخَيْنِ، وَإِمَّا مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ.

وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَهِيَ رِوَايَاتٌ شَاذَّةٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ (وَحُمِلَ) مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جَوَازِ الْفَصْلِ (عَلَى مَا إذَا كَانَ) الِاسْتِثْنَاءُ (مَنْوِيًّا حَالَ التَّكَلُّمِ) فَيَكُونُ مُتَّصِلًا قَصْدًا مُتَأَخِّرًا لَفْظًا (وَيَدِينُ) النَّاوِي لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِحَّةِ دَعْوَى نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُ إذْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْصِبِهِ، وَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ أَظْهَرَ نِيَّتَهُ بَعْدَهُ فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا نَوَاهُ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا يَدِينُ فِيهِ الْعَبْدُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا فَهَذَا لَهُ وَجْهٌ، أَمَّا تَجْوِيزُ التَّأْخِيرِ لَوْ أَصَرَّ عَلَيْهِ دُونَ هَذَا التَّأْوِيلِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْكَلَامِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِتْمَامُ فَإِذَا انْفَصَلَ لَمْ يَكُنْ إتْمَامًا كَالشَّرْطِ وَخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ جَوَازُ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا كَانَ مَنْوِيًّا حَالَ التَّكَلُّمِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَوْلُ أَحْمَدَ) هَذَا ظَاهِرُ سَوْقِ الْكَلَامِ، وَلَمْ أَرَهُ بَلْ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ. انْتَهَى.

وَاَلَّذِي فِي فُرُوعِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَمَنْ قَالَ فِي يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا وَعَنْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَعَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ فِي الْمُبْهِجِ وَلَوْ تَكَلَّمَ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ قَالَ أَحْمَدُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ لَيْسَ هُوَ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا تَأْوِيلُهُ قَوْلُ اللَّهِ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُكَفَّرُ وَالْكَذِبُ لَا يُكَفَّرُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْكَذِبِ قَالَ مُوسَى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: ٦٩] وَلَمْ يَصْبِرْ فَسَلِمَ مِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ رَدَّهُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ لِوُقُوعِهَا وَتَبَيُّنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى.

(وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ تَقْيِيدُهُ) أَيْ جَوَازِ الْفَصْلِ (بِالْمَجْلِسِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَزَادَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَطَاءً وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَفِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْهِدَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ (لَنَا لَوْ تَأَخَّرَ) أَيْ لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ (لَمْ يُعَيِّنْ تَعَالَى لِبِرِّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْذَ الضِّغْثِ) ، وَهِيَ الْحُزْمَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>