فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءٌ فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ سَبَبًا وَلَا حَمْلَ.
نَعَمْ لَوْ قَالُوا بِالْمَفْهُومِ حَتَّى لَزِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَنْهُ لَزِمَ الْحَمْلُ حِينَئِذٍ ضَرُورَةً لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمُطْلَقِ: مِلْكُ الْعَبْدِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْهُ - مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا - وَمِنْ الْمُقَيَّدِ: مِلْكُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ سَبَبٌ، وَمِلْكُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَبَبًا لِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَإِذَا فُرِضَ تَرْجِيحٌ بِمُقْتَضَى الْمَفْهُومِ تَقَيَّدَ الْآخَرُ، لَكِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِحُجِّيَّةِ الْمَفْهُومِ فَبَقِيَ حَاصِلُ الْمُقَيَّدِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ سَبَبٌ فَقَطْ، وَالْمُطْلَقُ يُفِيدُ أَنَّهُ سَبَبٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ سَبَبٌ أَيْضًا وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي سَبَبِيَّةِ الْغَيْرِ، إذْ الْمَفْهُومُ لَيْسَ مُعَارِضًا فَوَجَبَ سَبَبِيَّةُ غَيْرِهِ أَيْضًا، وَلَا حَمْلَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
ثُمَّ قَالَ: (وَالِاحْتِيَاطُ الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْعَمَلِ بِالْمُقَيَّدِ (يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ) فِي حَمْلِهِمْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا (إذْ هُوَ) أَيْ الِاحْتِيَاطُ هُنَا (فِي جَعْلِ كُلٍّ) مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (سَبَبًا) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ لَا مُدَافَعَةَ فِي الْأَسْبَابِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٍ شَرْعًا وَحِسًّا، ثُمَّ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ السَّبَبُ هُوَ الْمُطْلَقَ فَإِذَا لَمْ يُعْمَلْ إلَّا بِمُقَيَّدٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ تَارِكًا لِلْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ.
وَأُورِدَ حُكْمُ الْمُقَيَّدِ يُفْهَمُ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْمُقَيَّدِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ الْمُقَيَّدِ وَفَضْلَهُ وَأَنَّهُ عَزِيمَةٌ وَالْمُطْلَقَ رُخْصَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ لِطَلَبِ فَائِدَةِ الْمُقَيَّدِ عِنْدَ إمْكَانِ الْجَمْعِ، فَيَجْعَلُ سَبَبِيَّةَ مَفْهُومِ الْمُطْلَقِ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ الْمُطْلَقِ وَسَبَبِيَّةَ مَفْهُومِ الْمُقَيَّدِ ثَابِتَةً بِالْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ فِي الشَّرْعِ إثْبَاتُ شَيْءٍ بِنَصَّيْنِ وَبِنُصُوصٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا.
ثُمَّ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ تَتْمِيمًا وَهُوَ مَا إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ فِي مَوْضِعٍ وَقُيِّدَ فِي مَوْضِعَيْنِ بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ مَاذَا يَكُونُ حُكْمُهُ.؟
قَالُوا: مَنْ قَالَ بِالْحَمْلِ مُطْلَقًا قَالَ بِبَقَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَيْسَ التَّقْيِيدُ بِأَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَمَنْ قَالَ بِالْحَمْلِ قِيَاسًا حَمَلَهُ عَلَى مَا حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسٌ رُجِعَ إلَى أَصْلِ الْإِطْلَاقِ وَيُشْكِلُ عَلَى الْكُلِّ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّعْفِيرِ بِالتُّرَابِ فِي الْأُولَى وَالثَّامِنَةِ وَمِنْ غَسَلَاتِ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ غَيْرُ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُطْلَقًا، وَكَوْنُ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولًا عَلَى إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأُولَى وَبِغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمُرَادُ إحْدَاهُنَّ، وَأَمَّا قَوْلُ السُّبْكِيّ: وَكَأَنَّ أَبِي يَقُولُ إنَّمَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ إيجَابُ كِلَيْهِمَا لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِيهِمَا - وَلَا تَنَافِيَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا - فَعَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ وَكَذَا عَدَمُ تَعَقُّبِ وَلَدِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَأَمَّا الْأَمْرُ فَلَفْظُهُ) أَيْ أَمَر (حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِلصِّيغَةِ الْمَعْلُومَةِ (اتِّفَاقًا) ثُمَّ قِيلَ (مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ) غَيْرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي تَعْزِمُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فِيهِمَا) أَيْ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (وَقِيلَ) مُشْتَرَكٌ (مَعْنَوِيٌّ) بَيْنَهُمَا (وَقِيلَ) مَوْضُوعٌ (لِلْفِعْلِ الْأَعَمِّ مِنْ اللِّسَانِيِّ، وَرُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ الْخَبَرِ وَالنَّهْيِ أَمْرًا) حِينَئِذٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَبَرِ وَالنَّهْيِ فِعْلٌ لِسَانِيٌّ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَقِيلَ) مَوْضُوعٌ (لِأَحَدِهِمَا الدَّائِرِ) بَيْنَ الْقَوْلِ الْخَاصِّ وَالْفِعْلِ (وَدُفِعَ بِلُزُومِ كَوْنِ اللَّفْظِ الْخَاصِّ لَيْسَ أَمْرًا لِأَنَّهُ) أَيْ اللَّفْظَ الْخَاصَّ (لَيْسَ إيَّاهُ) أَيْ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَلْ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ (وَإِنَّمَا يَتِمُّ) هَذَا الدَّفْعُ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْأَعَمَّ مَجَازٌ فِي فَرْدِهِ) وَسَيُدْفَعُ وَهَذَا (مَا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute