الْمُرَادُ بِهِ الْإِطْلَاقَ (كَقَوْلِهِمْ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ) يَجِبُ وَصْلُ الْمُخَصِّصِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ عُمُومَهُ (بِذَلِكَ الْوَجْهِ) الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَيَجِيءُ فِيهِ) أَيْ فِي تَأْخِيرِ الْمُقَيَّدِ (مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ إرَادَتِهِمْ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ مِنْ) وَصْلِ الْبَيَانِ (الْإِجْمَالِيِّ كَهَذَا الْإِطْلَاقِ مُقَيَّدٌ وَيَصِيرُ) الْمُطْلَقُ حِينَئِذٍ (مُجْمَلًا أَوْ التَّفْصِيلِيِّ وَلَنَا أَنْ نَلْتَزِمَهُ) أَيْ كَوْنَ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخًا لِلْمُقَيَّدِ (عَلَى قِيَاسِ نَسْخِ الْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ الْخَاصَّ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمَعْنَى النَّسْخِ فِيهِ) أَيْ فِي نَسْخِ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ الْمُقَيَّدَ (نَسْخُ الْقَصْرِ عَلَى الْمُقَيَّدِ) وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ حُكْمَ الْمُقَيَّدِ لَمْ يُرْفَعْ بِالْمُطْلَقِ.
هَذَا وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشُرُوحِهِ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ الْمُثْبَتَانِ إنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ فَالْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِدْقِهِ بِغَيْرِ الْمُقَيَّدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِالْمُطْلَقِ دُونَ الْعَمَلِ، أَوْ تَأَخَّرَ الْمُطْلَقُ عَنْ الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا، أَوْ تَقَارَنَا، أَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَقِيلَ الْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ لِلْمُطْلَقِ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِهِ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ بِأَنْ يُلْغَى الْقَيْدُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُقَيَّدِ ذِكْرٌ جُزْئِيٌّ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَا يُقَيِّدُهُ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ.
وَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ الْجَادَّةَ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الْمُفَصَّلُ فَإِمَّا عِنْدَهُ وَإِمَّا عِنْدَهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ عَطْفًا عَلَى مُتَّحِدَيْ السَّبَبِ (أَوْ مُخْتَلِفَيْ السَّبَبِ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) حَيْثُ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] (وَتَقْيِيدِهَا فِي) كَفَّارَةِ (الْقَتْلِ) حَيْثُ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] (فَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُحْمَلُ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيَجِبُ كَوْنُهَا مُؤْمِنَةً فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ (فَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ - يَعْنِي - بِجَامِعٍ) بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَهُوَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ حُرْمَةُ سَبَبِهِمَا أَعْنِي الظِّهَارَ وَالْقَتْلَ (وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَهُ) أَيْ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِجَامِعٍ (لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِيَاسِ وَهُوَ عَدَمُ مُعَارَضَةِ مُقْتَضَى نَصٍّ) فِي الْمَقِيسِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى إجْزَاءِ الْمُقَيَّدِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْقِيَاسِ عَدَمُ إجْزَاءِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ لِانْتِفَاءِ صِحَّتِهِ (وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا (لِوَحْدَةِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْتَلِفُ) بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ (بَلْ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا) فَإِذَا نَصَّ عَلَى الْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَزِمَ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (أَضْعَفُ) مِنْ الْأَوَّلِ (وَإِذَا نَظَرْنَا فِي مُقْتَضَيَاتِ الْعِبَارَاتِ) وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ قَطْعًا لَا فِي الصِّفَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي سَبَبِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ كَ أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ) أَيْ كَمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَالَ أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَقَعُ فِيهِ التَّقَيُّدُ بِإِسْلَامِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ (مَعَ رِوَايَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِإِسْلَامِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، إذْ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ الْمُخْرِجُ وَيَلِي عَلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ تَارَةً مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْإِسْلَامِ وَتَارَةً مُقَيَّدًا بِهِ (فَلَا حَمْلَ) لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ) مَنْ أَنَّهُ قَيْدٌ وَلَا يَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute