مِنْ ذَلِكَ كَمَا امْتَنَعَ أَنْ تُقَالَ: الْقَارُورَةُ لِلظَّرْفِ غَيْرِ الزُّجَاجِيِّ مِمَّا يَصْلُحُ مَقَرًّا لِلْمَائِعَاتِ، كَمَا تُقَالُ لِلظَّرْفِ الزُّجَاجِيِّ الصَّالِحِ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ (لِدَلِيلِنَا) الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إطْلَاقِ الْقَارُورَةِ عَلَى الظَّرْفِ غَيْرِ الزُّجَاجِيِّ انْتِفَاءُ الزُّجَاجِ الَّذِي الظَّاهِرُ اشْتِرَاطُهُ فِي إطْلَاقِهَا عَلَى مَا هُوَ مَقَرُّ الْمَائِعَاتِ مِنْ الظُّرُوفِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ إطْلَاقِ أَمْرٍ وَآمِرٍ عَلَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَكْلٌ وَآكِلٌ غَيْرُ كَوْنِ الْفِعْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقَائِمِ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ فِي الثَّانِي لَيْسَ بِالْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ ثُمَّ لَا دَلِيلَ غَيْرَ مَخْدُوشٍ يُفِيدُ تَقْدِيرَ الْمَانِعِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِمَّا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَمْرٍ وَآمِرٍ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.
(وَ) اُسْتُدِلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِلُزُومِ اتِّحَادِ الْجَمْعِ) أَيْ جَمْعِ أَمْرٍ بِمَعْنَى الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ - لَوْ كَانَ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا - (وَهُوَ) أَيْ اتِّحَادُ جَمْعِهِ بِهِمَا (مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَيْ جَمْعَهُ (فِي الْفِعْلِ أُمُورٌ وَالْقَوْلِ أَوَامِرُ، وَيُجَابُ بِجَوَازِ اخْتِلَافِ جَمْعِ لَفْظٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ) الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ كَالْيَدِ فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ - الَّذِي هُوَ الْجَارِحَةُ - تُجْمَعُ عَلَى أَيْدٍ، وَبِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ - الَّذِي هُوَ النِّعْمَةُ - تُجْمَعُ عَلَى أَيَادٍ هَذَا وَقَدْ مَنَعَ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرِهِ كَوْنَ أَوَامِرَ جَمْعَ أَمْرٍ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ بَلْ هِيَ جَمْعُ آمِرَةٍ كَضَوَارِبَ جَمْعِ ضَارِبَةٍ، ثُمَّ قِيلَ وَحَيْثُ كَانَ يَصْدُقُ عَلَى الصِّيغَةِ أَنَّهَا طَالِبَةٌ وَآمِرَةٌ؛ فَأَوَامِرُ جَمْعٌ لَهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، يَعْنِي بِأَنْ سُمِّيَتْ بِهَا ثُمَّ جُمِعَتْ عَلَى فَوَاعِلَ كَمَا هُوَ قِيَاسُ جَمْعِهَا، وَقِيلَ جُمِعَ أَمْرٌ مَجَازًا بِهَذَا التَّأْوِيلِ وَقِيلَ جُمِعَ آمِرٌ عَلَى وَزْنِ أَفْعُلٍ جَمْعَ أَمْرٍ عَلَى الْقِيَاسِ، كَأَكَالِبَ جَمْعِ أَكْلُبٍ جَمْعِ كَلْبٍ فَعَلَى هَذَا وَزْنُهُ أَفَاعِلُ لَا فَوَاعِلُ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الْقَاآنِيِّ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لَهُ مَبْنِيًّا عَلَى غَيْرِ وَاحِدِهِ، نَحْوُ أَرَاهِطَ فِي رَهْطٍ (وَ) اسْتَدَلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِلُزُومِ اتِّصَافِ مَنْ قَامَ بِهِ فِعْلٌ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (مُطَاعًا أَوْ مُخَالِفًا) لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ كَمَا فِي الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ الْحَقِيقِيَّ يُوصَفُ بِذَلِكَ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَكَذَا الْمَلْزُومُ.
(وَيُجَابُ بِأَنَّهُ) أَيْ اتِّصَافَ الْفِعْلِ بِذَلِكَ (لَوْ كَانَ) ثُبُوتُ الطَّاعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ (لَازِمًا عَامًّا) لِلْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً (لَكِنَّهُ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ (لَازِمُ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ لَا غَيْرُ (وَ) اسْتَدَلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِصِحَّةِ نَفْيِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (عَنْ الْفِعْلِ) إذْ الْحَقِيقَةُ لَا تُنْفَى لَكِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ لِلْقَطْعِ لُغَةً وَعُرْفًا بِصِحَّةِ: فُلَانٌ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ الْيَوْمَ إذَا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ الصِّيغَةُ الطَّالِبَةُ وَإِنْ صَدَرَ عَنْهُ أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (مُصَادَرَةٌ) عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ يَمْنَعُ صِحَّةَ هَذَا النَّفْيِ مُرَادًا بِهِ نَفْيُ وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ لَهُ كَمَا هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَيْثُ كَانَ صِحَّةُ النَّفْيِ مَقْطُوعًا بِهَا لُغَةً وَعُرْفًا فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ نَفْيَ وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ لَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ النَّفْيِ مُصَادَرَةً بَلْ مَنْعُ هَذَا حِينَئِذٍ مُكَابَرَةٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَحَدُّ النَّفْسِيِّ) بِأَنَّهُ (اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ عَلَى وَجِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ) وَهَذَا الْحَدُّ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَاقْتِضَاءُ فِعْلِ مَصْدَرٍ مُضَافٍ إلَى الْمَفْعُولِ - أَيْ طَلَبُهُ شَامِلٌ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِالْتِمَاسِ وَالدُّعَاءِ - وَغَيْرِ كَفٍّ مُخْرِجٌ لِلنَّهْيِ، وَعَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ أَيْ طَلَبِ عُلُوِّ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَعَدِّ نَفْسِهِ عَالِيًا مُخْرِجٌ لِلِالْتِمَاسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسَاوِي وَالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسَفُّلِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَسَيَتَحَقَّقُ فِي الْحُكْمِ أَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ (مَعْنَى الْإِيجَابِ فَيَفْسُدُ طَرْدُهُ بِالنَّدْبِ النَّفْسِيِّ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِيجَابِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute