للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ حَتْمًا (فَيَجِبُ زِيَادَةٌ حَتْمًا) لِيُخْرَجَ النَّدْبُ، قُلْت لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهُ الطَّلَبُ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَازِمِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ كَوْنُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ - وَهُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ - يُحَقِّقُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ إنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ لَا غَيْرُ (وَأُورِدَ: اُكْفُفْ) وَانْتَهِ وَذَرْ وَاتْرُكْ (عَلَى عَكْسِهِ) فَإِنَّهَا أَوَامِرُ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لِاقْتِضَائِهَا فِعْلًا - هُوَ الْكَفُّ - فَلَا يَكُونُ مُنْعَكِسًا لِوُجُودِ الْمَحْدُودِ مَعَ عَدَمِ الْحَدِّ (وَلَا تَتْرُكْ) وَلَا تَنْتَهِ وَلَا تَذَرْ وَلَا تَكُفَّ (عَلَى طَرْدِهِ) فَإِنَّهَا نَوَاهٍ وَيَصْدُقُ حَدُّ الْأَمْرِ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَى " لَا تَتْرُكْ ": افْعَلْ، وَهَلُمَّ جَرًّا فَلَا يَكُونُ مُطَّرِدًا لِصِدْقِ الْحَدِّ مَعَ عَدَمِ الْمَحْدُودِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ النَّفْسِيَّ فَيَلْتَزِمُ أَنَّ مَعْنَى " لَا تَتْرُكْ " مِنْهُ) أَيْ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ (وَاكْفُفْ {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] نَهْيٌ) فَاطَّرَدَ وَانْعَكَسَ (وَإِذَا كَانَ مَعْنَى اُطْلُبْ فِعْلَ كَذَا الْحَالُ دَخَلَ) فِي الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا صِيغَةً (وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ) دُخُولُهُ (فِي الصِّيغِيِّ فَلَا يُحْتَاجُ) فِي تَقْدِيرِ دُخُولِ نَحْوِ اُكْفُفْ فِي الْأَمْرِ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ وَأَفْصَحَ بِهِ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ (أَنَّ الْمُرَادَ) بِالْكَفِّ فِي قَوْلِهِ غَيْرِ كَفٍّ (الْكَفُّ عَنْ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ) وَنَحْوُ اُكْفُفْ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَفٌّ لَكِنْ عَنْ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ ثَمَّ كَمَا قَالَ.

(وَالْأَلْيَقُ بِالْأُصُولِ تَعْرِيفُ الصِّيغِيِّ لِأَنَّ بَحْثَهُ) أَيْ عِلْمِ الْأُصُولِ (عَنْ) الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ (السَّمْعِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهَا الْعَارِضَةِ لَهَا مِنْ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ وَغَيْرِهِمَا إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ إلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ (وَهُوَ) أَيْ الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ (اصْطِلَاحًا) لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ (صِيغَتُهُ الْمَعْلُومَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ أَوْ الْعُلُوِّ أَوْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلُغَةً هِيَ) أَيْ صِيغَتُهُ الْمَعْلُومَةُ (فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ اسْمُهَا) كَصَهٍ وَنَزَالِ فِيهِ أَيْضًا (مَعَ اسْتِعْلَاءٍ) فَمَا فِي الْمِفْتَاحِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا - أَعْنِي اسْتِعْمَالَ لِيَنْزِلْ وَانْزِلْ وَنَزَالِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ (بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَمْرِ) فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّلَبُ الْجَازِمُ وَلَا الِاسْتِعْلَاءُ (فَيَصْدُقُ) الْأَمْرُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (مَعَ الْعُلُوِّ وَعَدَمِهِ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعُلُوِّ، وَهُوَ كَوْنُ الطَّالِبِ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ (الْأَكْثَرُ وَأَهْدَرَهُمَا) أَيْ الِاسْتِعْلَاءَ وَالْعُلُوَّ أَبُو الْحَسَنِ (الْأَشْعَرِيُّ) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ (وَاعْتَبَرَ الْمُعْتَزِلَةُ الْعُلُوَّ) أَيْ أَشْتَرَطُوهُ إلَّا أَبَا الْحُسَيْنِ مِنْهُمْ وَوَافَقَهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالسَّمْعَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاخْتَارَهُ مَعَ الِاسْتِعْلَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا أَمْرَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (إلَّا الصِّيغَةُ) لِإِنْكَارِهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ (وَرُجِّحَ نَفْيُ الْأَشْعَرِيِّ الْعُلُوَّ بِذَمِّهِمْ) أَيْ الْعُقَلَاءِ (الْأَدْنَى بِأَمْرِ الْأَعْلَى) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعُلُوُّ شَرْطًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَمْرُ مِنْ الْأَدْنَى فَلَا ذَمَّ (وَالِاسْتِعْلَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: ١١٠] خِطَابًا لِقَوْمِهِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْأَمْرَ عَلَى قَوْلِهِمْ الْمُقْتَضِيَ لَهُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ اسْتِعْلَاءٌ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ وَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَالْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُضُوعِ (وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ) أَيْ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: ١١٠] (لِنَفْيِ الْعُلُوِّ) لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُلُوٌّ عَلَى فِرْعَوْنَ فَلَا جَرَمَ أَنْ مَشَى الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا (وَالْحَقُّ اعْتِبَارُ الِاسْتِعْلَاءِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَحْصُولِ وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَعَالِمِ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (وَنَفْيُ) اشْتِرَاطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>