للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْعُلُوِّ لِذَمِّهِمْ الْأَدْنَى بِأَمْرِ الْأَعْلَى) لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ الْعُلُوُّ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَمْرًا لِانْتِفَاءِ الْعُلُوِّ وَلَوْلَا أَنَّ فِيهِ اسْتِعْلَاءً لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ مُوَافَقَةً لِلتَّفْتَازَانِيِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بِتَوْجِيهِهِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِعْلَاءٌ لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ الذَّمَّ لِكَوْنِهِ آتِيًا بِصُورَةِ الْأَمْرِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعُلُوِّ عَنْهُ، نَعَمْ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: الِاسْتِعْلَاءُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَمَاذَا يَقُولُونَ فِيهِ مَمْنُوعٌ، وَكَيْفَ لَا {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية: ٣٧] (وَالْآيَةُ) أَيْ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: ١١٠] (وَقَوْلُهُ) أَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ

(أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي)

وَكَانَ مِنْ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابْنِ هَاشِمِ لَمَّا خَرَجَ هَذَا مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ سَابِقَةٍ كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ أَمْسَكَهُ فِيهَا وَأَشَارَ عَلَيْهِ عَمْرُو بِقَتْلِهِ فَخَالَفَهُ وَأَطْلَقَهُ لِحِلْمِهِ، أَوْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ يُخَاطِبُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَمِيرَ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ إلَّا أَنَّ تَمَامَهُ عَلَى هَذَا

فَأَصْبَحْت مَسْلُوبَ الْإِمَارَةِ نَادِمًا

(مَجَازٌ عَنْ تُشِيرُونَ وَأَشَرْتُ) لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الصِّيغَةَ فِي التَّضَرُّعِ وَالتَّسَاوِي لَا تُسَمَّى أَمْرًا) وَلَا بَأْسَ بِهَذَا وَيَكُونُ تَأْمُرُونَ فِي الْآيَةِ مَجَازًا عَنْ تُشِيرُونَ وَفِي الْكَشَّافِ تَأْمُرُونَ مِنْ الْمُؤَامَرَةِ - وَهِيَ الْمُشَاوَرَةُ - أَوْ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ، جَعَلَ الْعَبِيدَ آمِرِينَ وَرَبَّهُمْ مَأْمُورًا لِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ فَرْطِ الدَّهَشِ وَالْحِيرَةِ، انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بِسَبَبِ مَا بَهَرَهُ الْمُعْجِزِ بِسُلْطَانِهِ أَظْهَرَ التَّوَاضُعَ لِمَلَئِهِ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِمْ وَخَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ الصَّوَابِ، وَأَمَّا أَنَّ أَمَرْتُ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى أَشَرْتُ فَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ وَمَا تَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْإِعْرَابِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا ضَيْرَ فَإِنَّ هَذَا تَوْجِيهُ مَعْنًى لَا تَوْجِيهُ إعْرَابٍ. وَقَالَ (الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ) وَالْغَزَالِيُّ (الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي) بِنَفْسِهِ (طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ) قَالُوا: فَالْقَوْلُ احْتِرَازٌ عَمَّا عَدَا الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَى احْتِرَازٌ عَمَّا عَدَا الْأَمْرِ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ وَبِنَفْسِهِ لِقَطْعِ وَهْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْأَمْرَ عَلَى الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا يُشْعَرُ بِمَعْنَاهَا عَنْ اصْطِلَاحٍ أَوْ تَوْقِيفٍ عَلَيْهَا، قُلْت: وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا كَانَ مَحْذُوفًا فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ كَمَا وَافَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ بِنَاءً عَلَيْهِ هَذَا: الْحَدُّ يَحْتَمِلُ اللَّفْظِيَّ وَالنَّفْسِيَّ، وَالطَّاعَةُ احْتِرَازٌ عَنْ الدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ فِي طَلَبِ الطَّاعَةِ (وَيَسْتَلْزِمُ) هَذَا الْحَدُّ (الدَّوْرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) ذِكْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَأْمُورِ وَالْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَتُهُ الْأَمْرَ، وَالْمَأْمُورَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَمْرِ فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُضَافَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُضَافٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مَوْجُودٌ فِي الْمُشْتَقِّ وَزِيَادَةٌ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (وَدَفَعَهُ) أَيْ الدَّوْرَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّا إذَا عَلِمْنَا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ عَلِمْنَا الْمُخَاطَبَ بِهِ - وَهُوَ الْمَأْمُورُ -، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ - وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ -، وَفِعْلَهُ) أَيْ مَضْمُونَهُ (- وَهُوَ الطَّاعَةُ - وَلَا يَتَوَقَّفُ) الْعِلْمُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ (عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبَةِ بِالتَّعْرِيفِ فَإِنْ أَرَادَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمْنَا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ (الْحَاصِلَ مِنْ الْجِنْسِ) أَيْ الْقَوْلِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُفِيدُ (لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْعِلْمِ بِمُخَاطَبٍ وَالْعِلْمِ بِمُخَاطَبٍ بِهِ (ثُمَّ لَمْ يُفِدْ) هَذَا (حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ) أَيْ بَيَانَهَا (مِنْ مُجَرَّدِ فَهْمِ الْمُخَاطَبِ وَلَا) بَيَانَ حَقِيقَةِ (الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ مَأْمُورٌ بِهِ (مِنْ مَعْرِفَةِ أَنَّ الْكَلَامَ مَعْنًى تَضَمَّنَهُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَخَصُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>