للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِجْمَالِ فَيَكُونُ تَصَوُّرًا مُتَعَلَّقًا بِتَصَوُّرٍ حَاصِلٍ لِيَصِيرَ مُتَصَوَّرًا إجْمَالًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ، وَإِنْ عَلِمَ الْمَسَائِلَ تَفْصِيلًا لَا يَصِيرُ عَالِمًا دَائِمًا بِتَفْصِيلِهَا فِي مَشَاهِدِ النَّفْسِ فَإِنَّ النَّفْسَ لِبَسَاطَتِهَا لَا تُدْرِكُ الْمُتَعَدِّدَ التَّفْصِيلِيَّ إلَّا عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِذَا تَمَّ كَذَلِكَ صَارَ عِنْدَهَا صُورَةٌ إجْمَالِيَّةٌ مِنْهُ حَاصِلَةٌ فَصَحَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا تَصَوُّرٌ لَهَا اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ التَّصَوُّرَ لَا حَجْرَ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّصَوُّرِ، وَعَدَمِ التَّصَوُّرِ ثُمَّ كَمَا أَنَّ الْحُصُولَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّصَوُّرَ كَذَلِكَ التَّصَوُّرُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُصُولَ وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ لِلْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ ارْتِسَامَ مَاهِيَّةِ الْعِلْمِ فِي النَّفْسِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ تَرْتَسِمَ فِيهَا بِنَفْسِهَا فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِهَا وَذَلِكَ حُصُولُهَا وَلَيْسَ تَصَوُّرُهَا وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهُ عَلَى قِيَاسِ حُصُولِ الشَّجَاعَةِ لِلنَّفْسِ الْمُوجِبَةِ لِاتِّصَافِهَا بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَصَوَّرَهَا وَالثَّانِي أَنْ تَرْتَسِمَ فِيهَا بِمِثَالِهَا وَصُورَتِهَا، وَهَذَا هُوَ تَصَوُّرُهَا لَا حُصُولُهَا عَلَى قِيَاسِ تَصَوُّرِ الشَّجَاعَةِ الَّتِي لَا تُوجِبُ اتِّصَافَ النَّفْسِ بِهَا ثُمَّ أَفَاضَ فِي بَيَانِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فَقَالَ (فَقِيلَ لَا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَقِيقِيُّ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ (لِأَنَّ الْكَثْرَةَ) الْخَاصَّةَ الْإِدْرَاكِيَّةَ أَوْ الْمُدْرَكِيَّةَ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ، وَقَدْ وُضِعَ الِاسْمُ بِإِزَائِهَا لَهَا جِهَةُ وَحْدَةٍ اعْتِبَارِيَّةٍ هِيَ وَحْدَةُ الْغَايَةِ أَوْ الْمَوْضُوعِ كَمَا سَلَفَ. وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذِهِ الْكَثْرَةَ (بِتِلْكَ الْوَحْدَةِ) الِاعْتِبَارِيَّةِ (لَا تَصِيرُ نَوْعًا حَقِيقِيًّا) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ يَكُونُ بِذِكْرِ الذَّاتِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ الْجِنْسُ الْكُلِّيُّ لِلْمَحْدُودِ وَالْمُمَيَّزُ الْكُلِّيُّ الدَّاخِلُ، وَهُوَ الْفَصْلُ وَجِهَةُ الْوَحْدَةِ الْمَأْخُوذَةُ فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ إنَّمَا هِيَ عَارِضَةٌ مِنْ عَوَارِضِ تِلْكَ الْكَثْرَةِ فَلَا يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُنْتَزَعُ مِنْ تِلْكَ الْكَثْرَةِ جِنْسًا وَفَصْلًا حَقِيقِيَّيْنِ فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ حَدًّا حَقِيقِيًّا بَلْ رَسْمًا وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَمُقْتَضَى هَذَا) التَّعْلِيلِ (نَفْيُهُ مُطْلَقًا) أَيْ نَفْيُ وُجُودِ الْحَقِيقِيِّ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ وَغَيْرَ مُقَدِّمَةٍ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَفِيهِ الْخِلَافُ أَيْضًا) .

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ أَعَمُّ مِنْ الدَّعْوَى فَلَوْ صَحَّ لَبَطَلَ مَا الْمُبْطِلُ مُعْتَرَفٌ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ جَوَازُ وُجُودِ الْحَقِيقِيِّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ مَنْعَ الْجَوَازِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ (بِسَرْدِ الْعَقْلِ كُلَّ الْمَسَائِلِ) أَيْ بِتَصَوُّرِ جَمِيعِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ الْمَحْدُودِ أَوْ بِتَصَوُّرِ جَمِيعِ التَّصْدِيقَاتِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِهَا لِمَا عَرَفْت أَنَّ حَقِيقَةَ كُلِّ عِلْمٍ مَسَائِلُهُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْمَعْلُومَاتِ أَوْ التَّصْدِيقُ بِمَسَائِلِهِ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومَاتِ (وَلَيْسَ) الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا (الْمُقَدِّمَةَ) لِلشُّرُوعِ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ حِينَئِذٍ بِمَعْرِفَتِهَا نَفْسِهَا، وَذَلِكَ هُوَ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ نَفْسِهِ لَا مُقَدِّمَةَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَدٌّ حَقِيقِيٌّ هُوَ مُقَدِّمَةُ الشُّرُوعِ فِيهِ (وَقِيلَ نَعَمْ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ (لِأَنَّ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ مُتَعَلَّقَاتِهَا) أَيْ مُتَعَلَّقَاتِ الْإِدْرَاكَاتِ الَّتِي كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْسُ الْعِلْمِ عَلَى تَقْدِيرِ وَضْعِ اسْمِ الْعِلْمِ بِإِزَائِهِ (كَالْمَادَّةِ) لِمُسَمَّى الْعِلْمِ فَيَنْتَزِعُ الْعَقْلُ مِنْهَا وَاحِدًا كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَ سَائِرِ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ مُتَعَلَّقَاتِهَا (وَوَحْدَتِهَا) أَيْ وَحْدَةِ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ مُتَعَلَّقَاتِهَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَهِيَ وَحْدَةُ الْمَوْضُوعِ (الدَّاخِلَةُ) فِي مُسَمَّى الْعِلْمِ اصْطِلَاحًا (كَالصُّورَةِ) لِمُسَمَّى الْعِلْمِ فَيَنْتَزِعُ الْعَقْلُ مِنْهَا كُلِّيًّا خَاصًّا بِذَلِكَ الْمُسَمَّى (فَيَنْتَظِمُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ مُتَعَلَّقَاتِهَا، وَمِنْ وَحْدَتِهَا (جِنْسًا، وَفَصْلًا) بِأَنْ يَكُونَ مَا هُوَ كَالْمَادَّةِ جِنْسًا قَرِيبًا، وَمَا هُوَ كَالصُّورَةِ فَصْلًا قَرِيبًا فَيَتَحَقَّقُ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ (مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) فِي انْتِظَامِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُمَا حَدًّا حَقِيقِيًّا (إلَى سَرْدِ الْكُلِّ) أَيْ إلَى تَصَوُّرِ كُلِّ الْمَسَائِلِ أَوْ تَصَوُّرِ كُلِّ التَّصْدِيقَاتِ بِهَا عَلَى التَّقْدِيرِ، وَإِذَا أَمْكَنَ تَحَقُّقُهُ بِهَذَا الْوَجْهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِهِ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ فِي الْعِلْمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَانْدَفَعَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَضَمَّنَ دَفْعَ الثَّانِيَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا أَمْكَنَ حَدُّ الْعِلْمِ الْحَقِيقِيِّ بِأَمْرَيْنِ كُلِّيَّيْنِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ بِمَعْرِفَةِ عَيْنِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً؛ وَلِأَنَّ تِلْكَ جُزْئِيَّاتٌ، وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِهَا بَلْ بِالْمُنْتَزَعِ الْكُلِّيِّ مِنْهَا كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الْمُنْتَزَعِ مِنْ زَيْدٍ اهـ.

وَفِي انْدِفَاعِ الْأَوَّلِ بِمَا سَبَقَ مَا لَا يَخْفَى بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>