الْوُجُوبِ إذْ هُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ (نَوْعٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّلَبِ.
(فَدَارَ) مَعْنَى الْأَمْرِ (بَيْنَ خُصُوصِ الْجِنْسِ وَخُصُوصِ النَّوْعِ) وَخُصُوصُ النَّوْعِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الِاشْتِرَاكِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ اتِّجَاهِهِ.
وَأَقُولُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا: إنَّ هَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى مِنْوَالِ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ لَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ إلَّا بِمُرَجِّحٍ مِنْ خَارِجٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ.
وَثَانِيًا إنَّ هَذَا إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَازِمِ الْمَاهِيَّةِ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ الْأَخَصِّيَّةَ لَازِمًا لِلْوُجُوبِ وَجَعَلْتُمْ صِيغَةَ الْأَمْرِ بِاعْتِبَارِهَا لِلْوُجُوبِ وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَثَالِثًا أَنَّهُ إذَا كَانَ خُصُوصُ النَّوْعِ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ الْجِنْسِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا هُوَ خُصُوصُ النَّوْعِ كَذَلِكَ النَّدْبُ فَلَا تَتِمُّ الْأَخَصِّيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُرَجِّحَةٌ لِلْوُجُوبِ عَلَى النَّدْبِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَاسْتَدَلَّ (النَّادِبُ) بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: وَ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ الْأَمْرَ إلَى مَشِيئَتِنَا وَهُوَ مَعْنَى النَّدْبِ (قُلْنَا) مَمْنُوعٌ بَلْ رَدَّهُ إلَى اسْتِطَاعَتِنَا وَحِينَئِذٍ (هُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ) لِأَنَّ السَّاقِطَ عَنَّا حِينَئِذٍ مَا لَا اسْتِطَاعَةَ لَنَا فِيهِ عَلَى أَنَّ تَقْرِيرَهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُمْ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُبَاحَ أَيْضًا بِمَشِيئَتِهِمْ، ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْلَهُمْ رَدَّهُ إلَى مَشِيئَتِنَا مَعَ رِوَايَتِهِمْ لِلْحَدِيثِ بِلَفْظِ مَا اسْتَطَعْتُمْ ذُهُولٌ عَظِيمٌ وَاسْتَدَلَّ (الْقَائِلُ بِالطَّلَبِ) بِأَنَّهُ (ثَبَتَ رُجْحَانُ الْوُجُودِ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ اللُّغَةِ (وَلَا مُخَصِّصَ) لَهُ بِأَحَدِهِمَا (فَوَجَبَ كَوْنُهُ) أَيْ رُجْحَانِ الْوُجُودِ (الْمَطْلُوبَ مُطْلَقًا دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَالْمَجَازِ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ فَإِنَّ التَّوَاطُؤَ خَيْرٌ مِنْهُمَا (قُلْنَا) بَلْ هُوَ لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْوُجُوبُ (بِمُخَصِّصٍ وَهِيَ) أَيْ الْمُخَصِّصُ - وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ - (أَدِلَّتُنَا عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ جَعْلَهُ لِلطَّلَبِ (إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَازِمِ الْمَاهِيَّةِ) وَهُوَ الرُّجْحَانُ لِجَعْلِ الرُّجْحَانِ لَازِمًا لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَجَعْلِ صِيغَةِ الْأَمْرِ لَهُمَا بِاعْتِبَارِ هَذَا اللَّازِمِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَيَّدِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ (الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالِاثْنَيْنِ) وَالثَّلَاثَةِ أَيْضًا (ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ) عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَعَلَى الِاثْنَيْنِ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ قُلْنَا الْمَجَازُ خَيْرٌ) مِنْ الِاشْتِرَاكِ (وَتَعْيِينُ الْحَقِيقِيِّ) الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ (بِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَدِلَّتِهِ (وَالْوَاقِفُ كَوْنُهَا) أَيْ الصِّيغَةِ (لِلْوُجُوبِ أَوْ غَيْرِهِ بِالدَّلِيلِ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهَا دُونَ الْبَاقِي (مُنْتَفٍ إذْ الْآحَادُ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَلَوْ تَوَاتَرَ لَمْ يُخْتَلَفْ) فِيهِ لِإِيجَابِهِ اسْتِوَاءَ طَبَقَاتِ الْبَاحِثِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْكُلِّ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لِبَذْلِهِمْ جُهْدَهُمْ فِي طَلَبِهِ لَكِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ فَلَمْ يَتَوَاتَرْ وَالْعَقْلُ الصِّرْفُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَوَاتَرُ إذْ (تَوَاتُرُ اسْتِدْلَالَاتِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ اللِّسَانِ تَوَاتُرُ أَنَّهَا) أَيْ الصِّيغَةَ (لَهُ) أَيْ لِلْوُجُوبِ وَعَلَى هَذَا فَإِمَّا الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةُ الْإِطْلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُفْرِغَ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ جُهْدَهُ فِي ذَلِكَ لِعَارِضٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَاتُرُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ، وَكِلَاهُمَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ (كَفَى الظَّنُّ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَتَبُّعِ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الصِّيغَةِ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْوَاجِبُ وَتَقَدَّمَ مَا فِي الْمَحْصُولِيَّاتِ (الْقَائِلُ بِالْإِذْنِ كَالْقَائِلِ بِالطَّلَبِ) وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ الْإِذْنُ بِالضَّرُورَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مُخَصِّصٌ لَهُ بِأَحَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute