للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اهـ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي دَعْوَى التَّحَكُّمِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَحْثَ بِالذَّاتِ إنَّمَا يَقَعُ فِي هَذَا الْعِلْمِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مُثَبِّتَةً لِلْأَحْكَامِ، وَأَمَّا الْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الْأَحْكَامِ فَلَمْ يَقَعْ إلَّا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ أَحْوَالِ الْأَحْكَامِ ثَمَرَةَ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ ثَمَرَةَ الشَّيْءِ أَمْرٌ تَابِعٌ لَهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى تَحَقُّقِهِ لَا أَنَّهُ أَصْلٌ مِثْلُهُ فَذَكَرَهَا فِيهِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى تَصَوُّرِهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهَا أَوْ نَفْيِهَا لَا لِكَوْنِ الْأَحْكَامِ مَوْضُوعًا لَهُ أَيْضًا فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَعَلَى) قَوْلِ (مَنْ أَدْخَلَ الْأَحْكَامَ) الشَّرْعِيَّةَ مَعَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ فِي الْمَوْضُوعِيَّةِ لِهَذَا الْعِلْمِ (إذْ يُبْحَثُ عَنْهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (مِنْ حَيْثُ تَثْبُتُ بِالْأَدِلَّةِ) السَّمْعِيَّةِ فِي هَذَا الْعِلْمِ كَمَا يُبْحَثُ عَنْ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُثَبِّتُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ فَيَكُونُ مَوْضُوعُهُ كِلْتَيْهِمَا مِنْ الْحَيْثِيَّتَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا (لَا يَبْعُدُ إدْخَالُ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ) أَيْضًا مَعَهُمَا فِي الْمَوْضُوعِيَّةِ لِهَذَا الْعِلْمِ (إذْ يُبْحَثُ عَنْهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ فِيهِ (مِنْ حَيْثُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ) الْمَذْكُورَةُ فَكَمَا اُعْتُبِرَتْ الْأَدِلَّةُ وَالْأَحْكَامُ مَوْضُوعًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِمَا الذَّاتِيَّةِ مِنْ الْحَيْثِيَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يُعْتَبَرُ الْمُكَلَّفُ الْكُلِّيُّ أَيْضًا مَوْضُوعًا مَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ.

(وَقَدْ وَضَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ جَعَلُوهُ فِي كُتُبِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ مَوْضُوعًا (مَعْنًى، وَأَحْوَالُهُ) الْعَارِضَةُ لَهُ أَيْضًا (فِي تَرْجَمَةِ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ) لَهُ، وَهِيَ مَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا اخْتِيَارٌ (وَالْمُكْتَسَبَةِ) أَيْ وَالْعَوَارِضِ الَّتِي كَسَبَهَا الْعَبْدُ أَوْ تَرَكَ إزَالَتَهَا (لِبَيَانِ كَيْفَ تَتَعَلَّقُ بِهِ) الْأَحْكَامُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ جَعْلَهُمْ الْمُكَلَّفَ الْكُلِّيَّ مَوْضُوعًا بِقَوْلِهِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ بَحْثِهِمْ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ لِلْحُكْمِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى هَذَا الْقَوْلِ لَكَانَ هَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمْ كَالشَّاهِدِ لَهُ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَكِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ ذَاهِبٌ فِيمَا عَلِمَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بَلْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْعِلْمِ الْأَدِلَّةُ وَالْأَحْكَامُ مُصَرِّحٌ بِانْدِرَاجِ الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمُكَلَّفُ وَالْأَهْلِيَّةُ وَالْعَوَارِضُ الْمَذْكُورَةُ تَحْتَ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ إحْدَى مُقَدِّمَتَيْ الدَّلِيلِ عَلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ الْمُسَمَّاةِ بِالْقَوَاعِدِ لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ الْعَوَارِضِ وَعَدَمِهَا كَانْدِرَاجِ الْمَحْكُومِ بِهِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفُ تَحْتَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ هَذَا مُوجِبًا لِعَدَمِ جَعْلِ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضُوعًا أَوْ مَانِعًا مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْأَحْكَامُ لِإِمْكَانِ انْدِرَاجِ أَعْرَاضِهَا فِي مَبَاحِثِ أَعْرَاضِ الْأَدِلَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَجَعْلُهَا مَوْضُوعًا دُونَهُ تَحَكُّمٌ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ فِي جَعْلِ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضُوعًا مَانِعًا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مَوْضُوعَ الْعِلْمِ مَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَأَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ الَّتِي هِيَ الْعَوَارِضُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ بِذَاتِيَّةٍ لَهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهِ عِنْدَ إفَاضَتِهِ فِي الْكَلَامِ فِيهَا.

وَالْأَهْلِيَّةُ وَصْفٌ عُنْوَانِيٌّ لَهُ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ خُرُوجُ الْبَحْثِ عَنْ عُنْوَانِ الْمَوْضُوعِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُهُ فَلَا يَكُونُ الْبَحْثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْعِلْمِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ الْكُلِّيَّ مَوْضُوعُهُ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ وَاللَّوَاحِقِ وَكَيْفَ لَا، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِعَارِضٍ لِلْمُكَلَّفِ مَعَ قِيَامِ هَذَا الْوَصْفِ بِهِ كَالصِّغَرِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ كَالسَّفَرِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَالْخَطَأِ فَالْمَبَاحِثُ الْمُتَعَلَّقَةُ بِهَا مَسَائِلُ فِقْهِيَّةٍ بِلَا رَيْبٍ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَاتِهَا أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَحْمُولَاتِهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا سَنَحَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِئْنَافِ بَيَانِ تَحْقِيقٍ لِمَا فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَمْرِ الْمَوْضُوعِ فَقَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ) الْحُصُولُ لِوَاضِعِ عِلْمٍ لِتَحْصِيلِهَا (لَا تَتَرَتَّبُ إلَّا عَلَى) الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ (أَشْيَاءَ كَانَتْ) تِلْكَ الْأَشْيَاءُ (الْمَوْضُوعُ) لِذَلِكَ الْعِلْمِ الْمَطْلُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>