للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَا قِيلَ لَا عِبْرَةَ لِإِرَادَةِ النَّذْرِ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِلْإِرَادَةِ (فَالْمُرَادُ الْيَمِينُ فَقَطْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ (غَلَطٌ إذْ تَحَقُّقُهُ) أَيْ النَّذْرِ (مَعَ الْإِرَادَةِ وَعَدَمِهَا) أَيْ إرَادَتِهِ (لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَحَقُّقِهَا) أَيْ إرَادَتِهِ (وَإِلَّا) لَوْ اسْتَلْزَمَ تَحَقُّقُ النَّذْرِ عَدَمَ تَحَقُّقِ إرَادَتِهِ (لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ) بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (فِي صُورَةٍ) لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ فَلَا عِبْرَةَ بِإِرَادَتِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا (وَقَدْ فَرَضَ إرَادَتَهُمَا) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (وَفِيهِ) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا النَّقْضِ (نَظَرٌ إذْ ثُبُوتُ الِالْتِزَامِيِّ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُرَادٍ) هُوَ (خُطُورُهُ عِنْدَ فَهْمِ مَلْزُومِهِ) الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ (مَحْكُومًا بِنَفْيِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ لِلْمُتَكَلِّمِ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ (يُنَافِي إرَادَةَ الْيَمِينِ) بِهِ أَعْنِي (الَّتِي هِيَ إرَادَةُ التَّحْرِيمِ عَلَى وَجْهٍ أَخَصَّ مِنْهُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِأَنَّهُ) أَيْ إرَادَةَ التَّحْرِيمِ بِمَعْنَى قَصْدِهِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْيَمِينِ (تَحْرِيمٌ يَلْزَمُ بِخُلْفِهِ الْكَفَّارَةُ) وَلَا كَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ الثَّابِتِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لَهُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (وَعَدَمُ إرَادَةِ الْأَعَمِّ) الَّذِي هُوَ تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ الثَّابِتِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا (يُنَافِيهِ إرَادَةُ الْأَخَصِّ) أَيْ تَحْرِيمُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ

(وَظَاهِرُ بَعْضِهِمْ) كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ (إرَادَتُهُ) أَيْ مَعْنَى الْيَمِينِ (بِالْمُوجَبِ) أَيْ مُوجَبِ النَّذْرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ (نَفْسِهِ إلْحَاقًا لِإِيجَابِ الْمُبَاحِ) الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّذْرِ (بِتَحْرِيمِهِ) أَيْ الْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْيَمِينِ (فِي الْحُكْمِ وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ (لُزُومُ الْكَفَّارَةِ وَيَتَعَدَّى اسْمُ الْيَمِينِ) إلَى الْمُوجِبِ (ضِمْنَهُ) أَيْ ضِمْنَ هَذَا الْقَصْدِ وَتَبَعًا لَهُ (لَا لِتَعْدِيَةِ الِاسْمَ ابْتِدَاءً) ثُمَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ لِأَنَّ إرَادَةَ الْإِيجَابِ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ إرَادَتُهُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَنْ يَسْتَعْقِبَ الْكَفَّارَةَ بِالْخُلْفِ وَإِرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ نَذْرًا إرَادَتُهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَعْقِبَهَا بَلْ الْقَضَاءُ وَذَلِكَ تَنَافٍ فَيَلْزَمُ إذَا أُرِيدَ يَمِينًا وَثَبَتَ حُكْمُهَا شَرْعًا وَهُوَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْخُلْفِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَذْرًا إذْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِيهِ (وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ) السَّرَخْسِيُّ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ (أُرِيدَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ) لِأَنَّهُ قَسَمٌ بِمَنْزِلَةِ بِاَللَّهِ (وَالنَّذْرُ بِعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبَ) يَعْنِي مُعَيِّنًا وَهُوَ مَا يَتَعَقَّبُ الْيَمِينَ لِيَصِحَّ مَنْعُهُ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ عَنْ الرَّجَبِ كَمَا فِي سَحَرٍ لِسَحَرٍ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ غَلَبَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَعْنَى النَّذْرِ عَادَةً فَإِذَا نَوَاهُمَا فَقَدْ نَوَى لِكُلِّ لَفْظٍ مَا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ (وَجَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْمَنْذُورِ كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ لَأَصُومَنَّ وَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدَانِ) أَيْ النَّذْرُ وَالْيَمِينُ (بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ) لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بَلْ أُرِيدَا بِلَفْظَيْنِ إنْ كَانَ الْقَسَمُ مَعْنًى مَجَازِيًّا لِلَّامِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَعَلَى مَا قَبْلَهُ يُرَادَانِ) بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ مُسَامَحَةٍ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُرَادَةً بِالْمُوجِبِ (وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ (يُخَالِفُ الْأَوَّلَ) وَمَا هُوَ ظَاهِرُ بَعْضِهِمْ أَيْضًا (بِاتِّحَادِ الْمَنْذُورِ وَالْمَحْلُوفِ) فِيهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ نَادِرًا لِلصِّيَامِ مُقْسِمًا عَلَيْهِ (وَالْأَوَّلُ) وَمَا هُوَ ظَاهِرُ بَعْضِهِمْ لَيْسَا كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمَا (الْمَحْلُوفُ تَحْرِيمُ التَّرْكِ وَالْمَنْذُورُ الصَّوْمُ) نَعَمْ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ نَظَرٌ لِأَنَّ اللَّامَ إنَّمَا تَكُونُ لِلْقَسَمِ إذَا كَانَتْ لِلتَّعَجُّبِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّحْوِيُّونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِمَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ وَفِي قَوْلِ الشَّاعِرِ

لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ ذُو حَيْدٍ ... بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظِّبْيَانُ وَالْآسُ

وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ نَذْرَ الْإِنْسَانِ وَإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرٌ عَجِيبٌ صَالِحٌ لَأَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهُ فَمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ فَهْمَ النَّذْرِ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَجْمُوعٍ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِبَيَانِ مَنْ أُثْبِتَ لَهُ الْوُجُوبُ

وَأَمَّا مَا قِيلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ نَذْرًا لَا يَمِينًا نَحْوُ نَذَرْت أَنْ أَصُومَ رَجَبًا وَإِنْ نَوَى النَّذْرَ وَالْيَمِينَ لِعَدَمِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْيَمِينُ فَظَاهِرٌ وَلَكِنْ إنَّمَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ قَائِلًا بِلُزُومِهِمَا وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ {تَتْمِيمٌ} وَكَمَا أَوْرَدَ النَّقْضَ بِهَذَا نَاوِيًا بِهِ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ: هُوَ نَذْرٌ فَقَطْ أَوْ وَرَدَ بِهِ أَيْضًا نَاوِيًا بِهِ الْيَمِينَ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُ النَّذْرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لَهُ حَيْثُ قَالَ: هُوَ يَمِينٌ لَا غَيْرُ وَبَقِيَ لِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>