للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ لَا أَحَدُ الْمَذْكُورِينَ بِعَيْنِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ (وَرَجَّحَ) وَالْمُرَجِّحُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِاسْتِدْعَاءِ الْأَوَّلِ تَقْدِيرَ حُرَّانِ) لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ حُرٌّ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلِاثْنَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ وَتَقْدِيرُ حُرَّانِ (بِدَلَالَةِ) الْخَبَرِ (الْأَوَّلِ وَهُوَ) أَيْ الْأَوَّلُ (مُفْرَدٌ) وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ أَوْ لِإِثْبَاتِ خَبَرٍ آخَرَ مِثْلِهِ لَا لِإِثْبَاتِ خَبَرٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ لَفْظًا (وَيُجَابُ) وَالْمُجِيبُ التَّفْتَازَانِيُّ (بِأَنَّهَا) أَيْ دَلَالَةَ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُقَدَّرِ (تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْمَادَّةِ لَا الصِّيغَةِ) بِدَلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَتَاقِ الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ فَقَالَ: أَنْتُمْ أَحْرَارٌ أَوْ هَذَا وَهَذَانِ مُدَبَّرَانِ فَقَوْلُهُ أَوْ هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتُمْ وَخَبَرُهُ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ

(وَلَوْ سَلَّمَ) أَوْلَوِيَّةَ اتِّحَادِ الدَّالِّ وَالْمَدْلُولِ فِي الصِّيغَةِ أَيْضًا (فَإِنَّمَا يَلْزَمُ) مَا ذَكَرَهُ (لَوْ ثَنَّى مَا بَعْدَ أَوْ) هُنَا لَكِنَّهُ لَمْ يُثَنِّ (فَالْمُقَدَّرُ مُفْرَدٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ هَذَا وَذَا إذْ التَّقْدِيرُ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا حُرٌّ وَذَا حُرٌّ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ كَثْرَةُ الْحَذْفِ لِأَنَّا نَقُولُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ التَّقْدِيرُ فِيمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُرَجِّحِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ تَكْمِيلًا لِلْجُمَلِ النَّاقِصَةِ بِتَقْدِيرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْقَائِمَةَ بِكُلِّ تَغَايُرٍ حُرِّيَّةُ الْآخَرِ وَلَوْ سَلَّمَ فَمُعَارَضٌ بِالْقُرْبِ وَكَوْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَذْكُورًا صَحِيحًا لَكِنْ قَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ فِي هَذَا الْوَجْهِ هُوَ مَجْمُوعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بَعْدَ عَطْفِ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي بِالْوَاوِ وَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا بِمَا يُحْكَمُ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ

وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَاوِ فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: ٣] حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا الْوَاوُ الْوُسْطَى فَمَعْنَاهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ الْجَامِعُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَمَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُتَعَدِّدَ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ بِوَاسِطَةِ الْوَاوِ فَيَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ جِهَةُ الْوِحْدَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ دُونَ التَّعَدُّدِ الصُّورِيِّ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا وَهَذَا فِي مَعْنَى هَذَانِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَانِ يَقْتَضِي خَبَرًا يُطَابِقُهُ فِي التَّثْنِيَةِ وَهُوَ حُرَّانِ لَا حُرٌّ وَحُرٌّ (وَبِأَنَّ أَوْ مُغَيِّرَةٌ) أَيْ وَرَجَحَ الْأَوَّلُ أَيْضًا بِأَنَّ أَوْ هَذَا مُغَيِّرٌ لِمَعْنَى هَذَا حُرٌّ (فَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ لَا الْوَاوُ) أَيْ لَا أَنَّهَا مُغَيِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا (لِلتَّشْرِيكِ) فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْأَوَّلِ (فَلَا يَتَوَقَّفُ) الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِهِ وَهَذَا حُرٌّ (فَلَيْسَ) الثَّالِثُ (فِي حَيِّزٍ أَوْ فَيَنْزِلُ)

وَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الثَّالِثِ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ (وَيُمْنَعُ) هَذَا التَّرْجِيحُ (بِأَنَّهُ) أَيْ قَوْلَهُ وَهَذَا (عَطْفٌ عَلَى مَا بَعْدَ أَوْ فَشُرِّكَ فِي حُكْمِهِ) أَيْ مَا بَعْدَ أَوْ يَعْنِي فِي (ثُبُوتِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ) الَّذِي هُوَ حُرٌّ (لِلْأَحَدِ مِنْهُ) أَيْ مَا بَعْدَ أَوْ (وَمِمَّا قَبْلَهُ فَتَوَقَّفَ) مَا قَبْلَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ مُغَيِّرًا لَهُ لِأَنَّهُ لَوْلَا هَذَا التَّشْرِيكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الثَّانِيَ وَحْدَهُ وَبَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ الْأَخِيرِينَ مَعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَعْتِقْ) أَحَدُهُمْ (إلَّا بِاخْتِيَارِهِمَا) فَيَعْتِقَانِ (أَوْ الْأَوَّلُ) فَيَعْتِقُ وَحْدَهُ (وَصَارَ كَحَلِفِهِ لَا يُكَلِّمُ ذَا أَوْ ذَا وَذَا لَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِ الْأَخِيرِينَ) وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِتَكْلِيمِهِمَا أَوْ تَكْلِيمِ الْأَوَّلِ قُلْت وَأَفَادَ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ كَوْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَالْيَمِينِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عِتْقُ الْآخَرِ وَطَلَاقُ الْأَخِيرَةِ وَالْخِيَارُ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَالْفَرْقُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَتَنَاوَلُ أَحَدُهُمَا نَكِرَةً إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ الْإِثْبَاتِ فَالنَّكِرَةُ فِيهِ تَخْتَصُّ بِتَنَاوُلِ إحْدَاهُمَا فَإِذَا عُطِفَ الثَّالِثُ عَلَى إحْدَاهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ مَا قُلْنَا وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فِيهِ النَّكِرَةُ وَتَكُونُ كَلِمَةُ أَوْ بِمَعْنَى لَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] أَيْ وَلَا كَفُورًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا فَلَمَّا عَطَفَ الثَّالِثَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا هَذَيْنِ وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ هَكَذَا فَكَذَا هُنَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ طَالِقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>