للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقُبْحُ (مِنْ جِهَتَيْنِ) فَالْقُبْحُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَالْحَسَنُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ مَصْلَحَةٌ (تَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا) وَهِيَ جِهَةُ الْحُسْنِ عَلَى جِهَةِ الْقُبْحِ (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ تَعَيُّنُ الْكَذِبِ (فَرْضُ مَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ إذْ لَا كَذِبَ إلَّا وَعَنْهُ مَنْدُوحَةُ التَّعْرِيضِ) أَيْ سِعَتُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُحَصِّلَ النَّجَاةَ بِأَنْ يَذْكُرَ صُورَةَ الْخَبَرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَقَصْدَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْكَذِبِ فَلَا يَكُونُ حَسَنًا بَلْ يَبْقَى قَبِيحًا

فَإِنْ قِيلَ التَّعْرِيضُ يُوجِبُ عَدَمَ الْجَزْمِ بِفَهْمِ الْحَقِيقَةِ مِنْ لَفْظٍ أَصْلًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَقْتَضِي صَرْفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَيَرْتَفِعُ الْوُثُوقُ بِهِ عَنْ ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ أُجِيبَ بِمَنْعِ ارْتِفَاعِ الْوُثُوقِ عَنْ ظَاهِرِ الشَّرْعِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ التَّعْرِيضِ لِأَنَّ التَّعْرِيضَ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ قَرِينَةٍ يُعْلَمُ بِهَا كَوْنُهُ تَعْرِيضًا لِئَلَّا يَكُونَ إضْلَالًا وَإِيقَاعًا لِلْعِبَادِ فِيمَا لَا يَجُوزُ فَمَتَى تَجَرَّدَ كَلَامٌ عَنْ قَرِينَةِ إرَادَةِ التَّعْرِيضِ يَجْزِمُ بِالْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِسَائِرِ الِاحْتِمَالَاتِ كَالْمَجَازِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ

(قَالُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ ثَانِيًا (لَوْ اتَّصَفَ) الْفِعْلُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لِذَاتِهِ (اجْتَمَعَ الْمُتَنَافِيَانِ فِي لَأَكْذِبَنَّ غَدًا لِأَنَّ صِدْقَهُ) أَيْ لَأَكْذِبَنَّ غَدًا (الَّذِي حَسَّنَهُ بِكَذِبِ غَدٍ) أَيْ فِيهِ (فَيَقْبُحُ) لِكَوْنِهِ كَذِبًا إذْ الْفَرْضُ قُبْحُ الْكَذِبِ لِذَاتِهِ فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِيهِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ وَلِأَنَّ كَذِبَهُ بِعَدَمِ كَذِبِهِ فِي الْغَدِ إمَّا بِصِدْقِهِ فِيهِ أَوْ سُكُوتِهِ فَيَقْبُحُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي الْيَوْمِ فِي لَأَكْذِبَنَّ غَدًا وَكُلُّ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْكَذِبُ فِي الْيَوْمِ قَبِيحٌ فَصِدْقُهُ أَوْ سُكُوتُهُ غَدًا قَبِيحٌ وَالصِّدْقُ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ اجْتِمَاعُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِيهِ (وَمَبْنَاهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (عَلَى أَنَّ الْمَلْزُومَ لِخَارِجٍ حَسَنٍ حَسَنٌ) وَالْمَلْزُومَ لِخَارِجٍ قَبِيحٍ قَبِيحٌ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ التَّنَافِي) بَيْنَ كَوْنِهِ حَسَنًا وَقَبِيحًا (لِلْجِهَتَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْمُرَادِ بِالذَّاتِيِّ) فَيَحْسُنُ مِنْهُ الصِّدْقُ غَدًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ صِدْقًا وَيَقْبُحُ بِاعْتِبَارِ اسْتِلْزَامِهِ الْكَذِبَ الْيَوْمَ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا بِاعْتِبَارَيْنِ (فَلَا يَنْتَهِضُ) هَذَا (عَلَى أَحَدٍ قَالُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (ثَالِثًا لَوْ اتَّصَفَ) الْفِعْلُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لِذَاتِهِ (وَهُمَا) أَيْ الْحَسَنُ وَالْقُبْحُ (عَرَضَانِ قَامَ الْعَرَضُ) الَّذِي هُوَ أَحَدُهُمَا (بِالْعَرَضِ) الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ (لِأَنَّ الْحُسْنَ زَائِدٌ) عَلَى مَفْهُومِ الْفِعْلِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ غَيْرَ زَائِدٍ بَلْ كَانَ عَيْنَ الْفِعْلِ أَوْ جُزْأَهُ (كَانَتْ عَقْلِيَّةُ الْفِعْلِ عَقْلِيَّتَهُ) أَيْ الْحُسْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ يُعْقَلُ الْفِعْلُ وَلَا يُعْقَلُ حُسْنُهُ وَلَا قُبْحُهُ (وَ) أَيْضًا الْحُسْنُ وَصْفٌ (وُجُودِيٌّ لِأَنَّ نَقِيضَهُ) أَيْ حَسَنٍ (لَا أَحْسَنَ) وَهُوَ (سَلْبٌ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ غَيْرَ سَلْبٍ (اسْتَلْزَمَ مَحَلًّا مَوْجُودًا) لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الصِّفَةِ الثُّبُوتِيَّةِ بِالْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ (فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْمَعْدُومِ) لَا أَحْسَنَ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ صِدْقَ اللَّا أَحْسَنَ عَلَى مَعْدُومَاتٍ كَثِيرَةٍ وَإِذَا كَانَ أَحَدُ النَّقِيضَيْنِ سَلْبًا كَانَ الْآخَرُ وُجُودِيًّا ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَالْكَلَامُ فِي الْقُبْحِ كَالْكَلَامِ فِي الْحُسْنِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ وَصْفًا زَائِدًا عَلَى مَفْهُومِ الْمَوْصُوفِ وُجُودِيًّا مَعْنَى الْعَرَضِ ثُمَّ الْفَرْضُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ فَيَكُونُ قَائِمًا بِهِ فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ لِمَحَلِّ الْفِعْلِ لَا لِلْفِعْلِ

(وَدُفِعَ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِأَنَّ عَدَمِيَّةَ صُورَةِ السَّلْبِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى كَوْنِ مَدْخُولِ الْبَاقِي وُجُودِيًّا وَإِثْبَاتُ وُجُودِيَّتِهِ) أَيْ مَدْخُولِ الْبَاقِي (بِعَدَمِيَّتِهَا) أَيْ صُورَةِ السَّلْبِ (دَوْرٌ وَعَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الدَّفْعِ أَنْ يُقَالَ (إنَّمَا أَثْبَتَهُ) أَيْ وُجُودَ مَدْخُولِ الْبَاقِي (بِاسْتِلْزَامِ مَحَلٍّ مَوْجُودٍ، ثُمَّ يَنْتَقِضُ) الدَّلِيلُ (بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ وَنَحْوِهِ) كَامْتِنَاعِهِ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ قَدْ يَكُونُ ذَاتِيًّا لِلْفِعْلِ مَعَ إجْرَاءِ الدَّلِيلِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ الْإِمْكَانُ ذَاتِيًّا لَزِمَ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى لِأَنَّ إمْكَانَ الْفِعْلِ زَائِدٌ عَلَى مَفْهُومِهِ وَإِلَّا لَزِمَ مِنْ تَعَقُّلِ الْفِعْلِ تَعَقُّلُهُ ثُمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا لِأَنَّ نَقِيضَهُ لَا إمْكَانَ وَهُوَ سَلْبٌ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَلْبًا لَاسْتَلْزَمَ مَحَلًّا مَوْجُودًا فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْمَعْدُومِ الْمُمْتَنِعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ ضَرُورَةً (وَلَا يُنْتَقَضُ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ فِعْلٌ بِحُسْنٍ شَرْعِيٍّ) لِلُزُومِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ وَإِنَّمَا لَا يُنْتَقَضُ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُسْنَ الشَّرْعِيَّ (لَيْسَ عَرَضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>