سِوَى إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ لِصِدْقِ دَعْوَاهُ النُّبُوَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِنَصٍّ بِمَعْنَى خِطَابِ الشَّارِعِ الْمُوجِبِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ شَرْعِيًّا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ إثْبَاتَ الْمُعْجِزَةِ لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُعْجِزَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ وَأَيْضًا نَحْنُ نَجِدُ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ ثُمَّ كَذَبَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ قَصْدًا بِلَا تَعْرِيضٍ مُدَّعِيًا أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُنَازِعَ فِي مِثْلِهِ مُكَابِرٌ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ عَلَى طَرَفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَالُوا) : أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ
(ثَانِيًا) وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ وَمُوَافِقِيهِ أَيْضًا نَحْنُ (نَقْطَعُ بِأَنَّهُ يَقْبُحُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَارِفِ بِذَاتِهِ الْمُنَزَّهَةِ وَصِفَاتِهِ الْكَرِيمَةِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَرَدِّ شَرْعٍ أَوْ لَا فَيَحْرُمُ عَقْلًا) أَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَطْعَ) الْمَذْكُورَ (لِمَا رَكَزَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الشَّرَائِعِ الَّتِي لَمْ تَنْقَطِعْ مُنْذُ بَعْثَةِ آدَمَ فَتَوَهَّمَ) بِهَذَا السَّبَبِ (أَنَّهُ) أَيْ الْقَطْعَ الْمَذْكُورَ (بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ) ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَّصِفُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِخَارِجٍ وَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ قَالَ (وَعَلَى أَصْلِنَا ثُبُوتُ الْقُبْحِ) لِلْفِعْلِ (فِي الْعَقْلِ) أَيْ عِنْدَ الْعَقْلِ (وَعِنْدَهُ تَعَالَى لَا يَسْتَلْزِمُ عَقْلًا تَكْلِيفُهُ) بِمَنْعِهِ مِنْ الْفِعْلِ (بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْبُحُ مِنْهُ تَعَالَى تَرْكُهُ) أَيْ تَرْكُ تَكْلِيفِهِ (وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي الثَّالِثِ) أَيْ امْتِنَاعِ تَعْذِيبِ الطَّائِعِ وَتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ أَنَّهُ (ثَبَتَ بِالْقَاطِعِ اتِّصَافُ الْفِعْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُهُ) أَيْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى (بِهِ) أَيْ بِالْقُبْحِ (تَعَالَى) اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ (وَأَيْضًا فَالِاتِّفَاقُ عَلَى اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِدَرْكِهِمَا) أَيْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (بِمَعْنَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ عَلَى مَا مَرَّ فَبِالضَّرُورَةِ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (مَا أَدْرَكَ فِيهِ نَقْصٌ وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ مُسْتَحِيلًا عَلَيْهِ مَا أَدْرَكَ فِيهِ نَقْصٌ (ظَهَرَ الْقَطْعُ بِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (بِالْكَذِبِ وَنَحْوِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَأَيْضًا) لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ اتِّصَافُ فِعْلِهِ بِالْقُبْحِ (يَرْتَفِعُ الْأَمَانُ عَنْ صِدْقِ وَعْدِهِ وَ) صِدْقِ (خَبَرِ غَيْرِهِ) أَيْ الْوَعْدِ مِنْهُ تَعَالَى (وَ) صِدْقِ (النُّبُوَّةِ) أَيْ لَمْ يَجْزِمْ بِصِدْقِهِ أَصْلًا لَا عَقْلًا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنْ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا شَرْعًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالسَّمْعِ لِأَنَّ حُجِّيَّةَ السَّمْعِ بَلْ ثُبُوتُهُ فَرْعُ صِدْقِهِ تَعَالَى إذْ لَوْ جَازَ كَذِبُهُ لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقُهُ لِلنَّبِيِّ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ هَذَا صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ دَالًّا عَلَى صِدْقِهِ
وَإِذَا كَانَ السَّمْعُ مُتَوَقِّفًا عَلَى صِدْقِهِ لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُهُ بِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَجْزِمَ أَيْضًا بِصِدْقِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ أَصْلًا لِجَوَازِ إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ فَيَنْسَدُّ بَابُ النُّبُوَّةِ وَأَنْ يَرْفَعَ الثِّقَةَ عَنْ كَلَامِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يُفْرِدْ الْوَعِيدَ بِالذِّكْرِ كَمَا أَفْرَدَ الْوَعْدَ إمَّا اكْتِفَاءً بِدُخُولِهِ فِي خَبَرِ غَيْرِهِ وَإِمَّا مُوَافَقَةً لِلْأَشَاعِرَةِ فِي جَوَازِ الْخُلْفِ فِي الْوَعِيدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَقْصًا بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي حَلْبَةِ الْمُجِلِّي وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَخَبَرُ غَيْرِهِ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَاهُ (وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ كَسَائِرِ الْخَلْقِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ اتِّصَافِهِ) تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ الْقَبَائِحِ (دُونَ الِاسْتِحَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ كَسَائِرِ الْعُلُومِ الَّتِي يُقْطَعُ فِيهَا بِأَنَّ الْوَاقِعَ أَحَدُ النَّقِيضَيْنِ مَعَ عَدَمِ اسْتِحَالَةِ الْآخَرِ لَوْ قُدِّرَ) أَنَّهُ الْوَاقِعُ (كَالْقَطْعِ بِمَكَّةَ وَبَغْدَادَ) أَيْ بِوُجُودِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُحِيلُ عَدَمُهُمَا عَقْلًا (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (لَا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الْأَمَانِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الشَّيْءِ عَقْلًا عَدَمُ الْجَزْمِ بِعَدَمِهِ (وَالْخِلَافُ) الْجَارِي فِي الِاسْتِحَالَةِ وَالْإِمْكَانِ الْعَقْلِيِّ لِهَذَا (جَارٍ فِي كُلِّ نَقِيصَةٍ أَقُدْرَتُهُ) تَعَالَى (عَلَيْهَا مَسْلُوبَةٌ أَمْ هِيَ) أَيْ النَّقِيصَةُ (بِهَا) أَيْ بِقُدْرَتِهِ (مَشْمُولَةٌ وَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ) أَيْ وَالْحَالُ الْقَطْعُ بِعَدَمِ فِعْلِ تِلْكَ النَّقِيصَةِ (وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَيْهَا مَسْلُوبَةٌ لِاسْتِحَالَةِ تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ بِالْمُحَالَّاتِ (وَعَلَيْهِ فَرَّعُوا امْتِنَاعَ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَ) وَامْتِنَاعَ (تَعْذِيبِ الطَّائِعِ) وَلَفْظُهُ فِي الْمُسَايَرَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمَّا اسْتَحَالُوا عَلَيْهِ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ فَهُمْ لِتَعْذِيبِ الْمُحْسِنِ الَّذِي اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ فِي الطَّاعَةِ مُخَالِفًا لِهَوَى نَفْسِهِ فِي رِضَا مَوْلَاهُ أَمْنَعُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنْزِيهَاتِ إذْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute