للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحِكْمَةِ فِي فِطَرِ سَائِرِ الْعُقُولِ وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قُبْحِهِ حَيْثُ قَالَ {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: ٢١] فَجَعَلَهُ سَيِّئًا هَذَا فِي التَّجْوِيزِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ أَمَّا الْوُقُوعُ فَمَقْطُوعٌ بِعَدَمِهِ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لِلْوَعْدِ بِخِلَافِهِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ لِذَلِكَ وَلِقُبْحِ خِلَافِهِ

(وَذَكَرْنَا فِي الْمُسَايَرَةِ) بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ فِي الْجُمْلَةِ (أَنَّ الثَّانِي) أَيْ أَنَّهُ يُقَدَّرُ وَلَا يُفْعَلُ قَطْعًا (أَدْخَلَ فِي التَّنْزِيهِ) فَإِنَّ الَّذِي فِي الْمُسَايَرَةِ ثُمَّ قَالَ يَعْنِي صَاحِبَ الْعُمْدَةِ مِنْ مَشَايِخِنَا وَلَا يُوصَفُ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَى الظُّلْمِ وَالسَّفَهِ وَالْكَذِبِ لِأَنَّ الْمُحَالَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ يَقْدِرُ وَلَا يَفْعَلُ اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّ سَلْبَ الْقُدْرَةِ عَمَّا ذَكَرَ هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمَّا ثُبُوتُهَا ثُمَّ الِامْتِنَاعُ عَنْ مُتَعَلِّقِهَا فَبِمَذْهَبِ الْأَشَاعِرَةِ أَلْيَقُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْهَا مِنْ بَابِ التَّنْزِيهَاتِ فَيَسْبُرُ الْعَقْلُ فِي أَنَّ أَيْ الْفَصْلَيْنِ أَبْلَغُ فِي التَّنْزِيهِ عَنْ الْفَحْشَاءِ أَهْوَ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ مَعَ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ مُخْتَارًا أَوْ الِامْتِنَاعُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِأَدْخَلِ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّنْزِيهِ اهـ (هَذَا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ قَائِلٌ هُوَ) أَيْ النِّزَاعُ بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ (لَفْظِيٌّ فَقَوْلُ الْأَشَاعِرَةِ هُوَ إنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ الْعَقْلُ كَوْنَ مَنْ اتَّصَفَ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالْمِلْكِ لِكُلِّ شَيْءٍ مُتَّصِفًا بِالْجَوْرِ وَمَا لَا يَنْبَغِي إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَالِكٌ جَائِرٌ وَلَا يُحِيلُ الْعَقْلَ وُجُودُ مَالِكٍ كَذَلِكَ) أَيْ جَائِرٌ (وَلَا يَسَعُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ إنْكَارَهُ وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ (يَسْتَحِيلُ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قُطِعَ بِهِ مِنْ ثُبُوتِ اتِّصَافِ هَذَا الْعَزِيزُ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ الْإِلَهُ بِأَقْصَى كَمَالَاتِ الصِّفَاتِ) وَظَاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بِأَقْصَى مُتَعَلِّقٌ بِاتِّصَافٍ (مِنْ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالْحِكْمَةِ إذْ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فَلِحَظِّهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (إثْبَاتُ الضَّرُورَةِ) فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِمْ ذَلِكَ (بِشَرْطِ الْمَحْمُولِ فِي الْمُتَّصِفِ الْخَارِجِيِّ) أَيْ الْإِلَهِ الْمُتَّصِفِ بِأَقْصَى كَمَالَاتِ الصِّفَاتِ

(وَالْأَشْعَرِيَّةُ بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ مَفْهُومِ إلَهٍ وَمَالِكِ كُلِّ شَيْءٍ) ثُمَّ لَمَّا جَرَتْ عَادَةُ الْأَشَاعِرَةِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ هُنَا حَاصِلُهُمَا إثْبَاتُ تَعَلُّقِ حُكْمِهِ تَعَالَى بِشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَكَانَ اللَّائِقُ ظَاهِرًا أَنْ يُورِدَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِتَوْجِيهٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ مَعَ الْأَشَاعِرَةِ فِي إبْطَالِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَمْ يُورِدْهُمَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْرَدَهُمَا عَلَى وَفْقِ كَلَامِهِمْ لِيُبَيِّنَ مَا فِيهِ مَهْدُ الْعُذْرِ أَوَّلًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ (وَاسْتَمَرَّ الْأَشْعَرِيَّةُ أَنْ تَنَزَّلُوا إلَى اتِّصَافِ الْفِعْلِ) بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (وَيُبْطِلُوا مَسْأَلَتَيْنِ عَلَى التَّنَزُّلِ وَنَحْنُ وَإِنْ سَاعَدْنَاهُمْ عَلَى نَفْي التَّعَلُّقِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لَكُنَّا نُورِدُ كَلَامَهُمْ لِمَا فِيهِ) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى شُكْرُ الْمُنْعِمِ) أَيْ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا خَلَقَ لِأَجْلِهِ كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَى مُشَاهَدَةِ مَصْنُوعَاتِهِ لِيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى صَانِعِهَا وَالسَّمْعِ إلَى تَلَقِّي أَوَامِرِهِ وَإِنْذَارَاتِهِ وَاللِّسَانِ إلَى التَّحَدُّثِ بِالنِّعَمِ وَالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ عَلَى مُوَلِّيهَا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قِيلَ وَهَذَا مَعْنَى الشُّكْرِ حَيْثُ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلِهَذَا وَصَفَ الشَّاكِرِينَ بِالْقِلَّةِ فَقَالَ {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] (لَيْسَ وَاجِبًا عَقْلًا لِأَنَّهُ) أَيْ الشُّكْرَ (لَوْ وَجَبَ) بِالْعَقْلِ (فَلِفَائِدَةٍ لِبُطْلَانِ الْعَبَثِ) لِقُبْحِهِ وَإِذْ كَانَ لِفَائِدَةٍ (فَإِمَّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ (بَاطِلَةٌ لِتَعَالِيهِ) أَيْ اللَّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى (وَالْمَشَقَّةِ فِي الدُّنْيَا) لِأَنَّ مِنْ شُكْرِهِ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ مَشَقَّةٌ وَتَعَبٌ نَاجِزٌ لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ وَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا (وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ) لِأَنَّهَا مِنْ الْغَيْبِ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ لِلْعَبْدِ فِي الْآخِرَةِ

(وَانْفَصَلَ الْمُعْتَزِلَةُ) عَنْ هَذَا الِالْتِزَامِ بِأَنَّهُ لِفَائِدَةٍ (ثُمَّ أَبَانَهَا) لِلْعَبْدِ (فِي الدُّنْيَا وَهِيَ دَفْعُ ضَرَرِ خَوْفِ الْعِقَابِ لِلُزُومِ خُطُورِ مُطَالَبَةِ الْمَلِكِ الْمُنْعِمِ بِالشُّكْرِ) عَلَى نِعَمِهِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْعِقَابِ إلَّا بِالشُّكْرِ وَالْأَمْنُ مِنْ الْعِقَابِ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ وَأَوْفَرِ الْحُظُوظِ إذْ الْفَائِدَةُ كَمَا تَكُونُ جَلْبَ نَفْعٍ تَكُونُ دَفْعَ ضَرَرٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَعَبٌ نَاجِزٌ (وَمَنَعَ الْأَشْعَرِيَّةُ لُزُومَ الْخُطُورِ) عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ الشُّكْرِ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ لِتَسَلُّطِ الْمَنْعِ عَلَى لُزُومِ الْخُطُورِ الْمَذْكُورِ بِبَالِ كُلِّ عَاقِلٍ لِلْعِلْمِ بِعَدَمِهِ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ بِشَهَادَةِ أَحْوَالِهِمْ وَالْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ بِتَسْلِيمِ الْخُطُورِ لِلْبَعْضِ لِإِيجَابِهِمْ الشُّكْرَ عَلَى الْكُلِّ (وَعَلَى التَّسْلِيمِ) لِلُزُومِ الْخُطُورِ الْمَذْكُورِ لِلْكُلِّ (فَمُعَارَضٌ بِأَنَّهُ) أَيْ شُكْرَ الْعَبْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>