للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْسِدَادُ بَابِ الشُّكْرِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَبَعْدَهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِتَطَابُقِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ ثُمَّ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ حَنَفِيَّةِ بُخَارَى قَالُوا بِقَوْلِ الْأَشَاعِرَةِ فِي عَدَمِ نِسْبَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ لِلْعَقْلِ وَقَدْ تَهَافَتَ دَلِيلُهُمْ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَذْكُرَ لِأَصْحَابِنَا دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ (وَالْوَجْهُ فِيهِ) أَيْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِلْفِعْلِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَنَّهُ (لَا طَرِيقَ لِلْعَقْلِ إلَى الْحُكْمِ بِحُدُوثِ مَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالسَّمْعِ) فِي الْمَسْمُوعَاتِ (أَوْ الْبَصَرِ) فِي الْمُبْصَرَاتِ (وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُمَا) أَيْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ (فِي تَعَلُّقِ حُكْمِهِ) تَعَالَى بِالْفِعْلِ (وَدَرْكِ مَا فِي الْفِعْلِ) مِنْ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ (غَيْرِ مُسْتَلْزِمٍ) تَكْلِيفَهُ بِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (إلَّا لَوْ كَانَ تَرْكُ تَكْلِيفِهِ تَعَالَى يُوجِبُ نَقْصَهُ تَعَالَى وَهُوَ مَمْنُوعٌ) قَطْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

الْمَسْأَلَةُ (الثَّانِيَةُ أَفْعَالُ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةُ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْبَقَاءُ) إذْ هِيَ مَا يُمْكِنُ الْبَقَاءُ بِدُونِهَا كَأَكْلِ الْفَاكِهَةِ وَيُقَابِلُهَا الِاضْطِرَارِيَّةُ وَهِيَ مَا لَا يُمْكِنُ الْبَقَاءُ بِدُونِهَا كَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ وَكَانَتْ وَاقِعَةً (قَبْلَ الْبَعْثَةِ إنْ أَدْرَكَ فِيهَا جِهَةً مُحَسِّنَةً أَوْ مُقَبِّحَةً فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْسِيمِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ) مِنْ أَنَّ الْمُدْرِكَ إمَّا حُسْنُ فِعْلٍ بِحَيْثُ يَقْبُحُ تَرْكُهُ فَوَاجِبٌ وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ أَوْ تَرْكٌ عَلَى وِزَانِهِ فَحَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُدْرِك فِيهَا جِهَةً مُحَسِّنَةً وَلَا مُقَبِّحَةً (فَلَهُمْ) أَيْ لِلْمُعْتَزِلَةِ (فِيهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (الْإِبَاحَةُ) أَيْ عَدَمُ الْحَرَجِ وَهُوَ قَوْلُ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ لَا سِيَّمَا الْعِرَاقِيِّينَ قَالُوا: وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ هَدَّدَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ بِقَوْلِهِ: خِفْت أَنْ يَكُونَ آثِمًا لِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ لَمْ يَحْرُمَا إلَّا بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا فَجَعَلَ الْإِبَاحَةَ أَصْلًا وَالْحُرْمَةُ تُعَارِضُ النَّهْيَ (وَالْحَظْرُ) أَيْ الْحُرْمَةُ وَثُبُوتُ الْحَرَجِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (وَالْوَقْفُ) وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو مَنْصُورِ الْمَاتُرِيدِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَنُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ تَفْسِيرِهِ (وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ أَنْ يُقَالَ (إنَّ الْحُكْمَ بِتَعَلُّقِ) حُكْمٍ (مُعَيَّنٍ) لِفِعْلٍ عَقْلًا (فَرْعُ مَعْرِفَةِ حَالِ الْفِعْلِ) لَهُ

فَإِذَا كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَكَيْفَ يُعْرَفُ حُكْمُهُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ (فَإِذَا قَالَ الْمُبِيحُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْحَصْرِ) لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الْمَحْظُورِ وَالْمُبَاحِ (خَلَقَ) اللَّهُ (الْعَبْدَ وَمَا يَنْفَعُهُ) مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهَا (فَمَنَعَهُ) أَيْ اللَّهُ الْعَبْدَ مِنْهَا (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِ (إخْلَالٌ بِفَائِدَتِهِ) أَيْ خَلْقِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ (الْعَبَثُ) وَجَوَابُ إذَا (فَمُرَادُهُ) أَيْ الْمُبِيحِ (وَهُوَ) أَيْ الْعَبَثُ (نَقِيصَةٌ تَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَمْنُوعٍ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ (وَالْحَاظِرُ) أَيْ وَإِذَا قَالَ الْحَاظِرُ: الْإِبَاحَةَ (تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَحْرُمُ (فَمُرَادُهُ) أَيْ الْحَاظِرِ (يُحْتَمَلُ الْمَنْعُ فَالِاحْتِيَاطُ الْعَقْلِيُّ مَنْعُهُ) أَيْ الْعَبْدِ مِنْهُ (فَانْدَفَعَ) بِهَذَا (مَا قِيلَ عَلَى الْحَظْرِ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بَحْرًا لَا يَنْفَدُ وَاتَّصَفَ بِغَايَةِ الْجُودِ كَيْفَ يُدْرِكُ الْعَقْلُ عُقُوبَتَهُ عَبْدَهُ بِأَخْذِ قَدْرِ سِمْسِمَةٍ) وَإِنَّمَا انْدَفَعَ بِهَذَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَاظِرَ (لَمْ يَبْنِ الْحَظْرَ عَلَى دَرْكِ) الْعَقْلِ (ذَلِكَ بَلْ) بَنَاهُ (عَلَى احْتِمَالِهِ) أَيْ مَنْعِهِ بِاعْتِبَارِهِ (أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْمَلِكِ بِلَا إذْنِهِ فَيَحْتَاطُ بِمَنْعِهِ وَ) انْدَفَعَ أَيْضًا (مَنْعُ أَنَّ حُرْمَةَ التَّصَرُّفِ عَقْلِيٌّ بَلْ) هُوَ (سَمْعِيٌّ وَلَوْ سَلَّمَ) أَنَّهُ عَقْلِيٌّ (فِي حَقِّ مَنْ يَتَضَرَّرُ) بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ (وَلَوْ سَلَّمَ) أَنَّهُ فِي حَقِّ كُلِّ مَالِكٍ (فَمُعَارَضٌ بِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الضَّرَرِ النَّاجِزِ وَدَفْعُهُ) أَيْ الضَّرَرِ النَّاجِزِ (عَنْ النَّفْسِ وَاجِبٌ عَقْلًا وَلَيْسَ تَرْكُهُ) الْفِعْلِ (لِدَفْعِ ضَرَرِ خَوْفِ الْعِقَابِ) الْحَاصِلِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ (أَوْلَى مِنْ الْفِعْلِ) الْمُسْتَلْزِمِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ النَّاجِزِ بَلْ اعْتِبَارُ الْعَاجِلِ أَوْلَى (مَعَ مَا فِي هَذَا) الْجَوَابِ (مِنْ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ (غَيْرَ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ) أَيْ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ (فِي نَحْوِ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهِ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْبَقَاءُ (وَمَا عَلَى الْإِبَاحَةِ) أَيْ وَانْدَفَعَ أَيْضًا مَا أُورِدَ عَلَيْهَا (مِنْ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ) بِهَا مَا (لَا حَرَجَ عَقْلًا فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَمُسَلَّمٌ) وَلَا نِزَاعَ فِيهِ بَلْ النِّزَاعُ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْمُبَاحِ بِإِزَائِهِ وَلِذَا يَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ عَلَى فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ تَحَقُّقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>