ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ (أَوْ خِطَابِ الشَّارِعِ بِهِ فَلَا شَرْعَ) حِينَئِذٍ (أَوْ حُكْمِ الْعَقْلِ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ مُبَاحًا
(فَالْفَرْضُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَقْلَ (لَا حُكْمَ لَهُ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ إذْ يَخْتَارُونَ) أَيْ الْمُبِيحُونَ (هَذَا) وَهُوَ الْأَوَّلُ فِي الْمَعْنَى (لِمُلْجِئِ لُزُومِ الْعَبَثِ) عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِبَاحَةِ وَالْعَبَثُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا دَفْعُهُ) أَيْ دَلِيلُ الْمُبِيحِ الْمَذْكُورِ (بِمَنْعِ قُبْحِ فِعْلٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْفِعْلِ (بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَعَالَى فَيُخْرِجُهُ) أَيْ هَذَا الْكَلَامُ (عَنْ التَّنَزُّلِ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّنَزُّلَ (دَفَعَهُ) الْخَصْمُ (عَلَى تَسْلِيمِ قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ نَعَمْ يَدْفَعُ) دَلِيلُ الْمُبِيحِ (بِمَنْعِ الْإِخْلَالِ) بِفَائِدَتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَنْعِ مِنْهُ (إذْ إرَادَةُ قُدْرَتِهِ) تَعَالَى (عَلَى إيجَادِهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (مُحَقَّقَةٌ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ) مِنْ الْفَوَائِدِ (مِمَّا يَقْصُرُ عَنْ دَرْكِهِ) الْعَقْلُ فَلَا يَقَعُ إخْلَالٌ بِفَائِدَتِهِ (وَالْحَاظِرُ) أَيْ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ (لَا يُثْبِتُ حُكْمَ الْحُكْمِ الْأُخْرَوِيِّ) مِنْ الثُّبُوتِ وَالِانْتِفَاءِ (بِثُبُوتِهِ) أَيْ بِسَبَبِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْحُكْمِ الْأُخْرَوِيِّ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ إظْهَارِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (لِلْمُكَلَّفِينَ فَكَيْفَ بِاحْتِمَالِهِ) أَيْ احْتِمَالِ ثُبُوتِهِ (وَلَا خَوْفَ لِيُحْتَاطَ) بِمَنْعِهِ (وَأَمَّا الْوَقْفُ فَفُسِّرَ بِعَدَمِ الْحُكْمِ) أَصْلًا وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْوَاقِفِيَّةِ (وَلَيْسَ) هَذَا (بِهِ) أَيْ بِالْوَقْفِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ بِعَدَمِ الْحُكْمِ لَا وَقْفٌ عَنْهُ (وَبِعَدَمِ الْعِلْمِ بِخُصُوصِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فَقِيلَ إنْ كَانَ) عَدَمُ الْعِلْمِ بِخُصُوصِهِ (لِلتَّعَارُضِ) بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (فَفَاسِدٌ لِأَنَّا بَيَّنَّا بُطْلَانَهَا) أَيْ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ لِعَدَمِ الشَّرْعِ) حِينَئِذٍ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا (فَمُسَلَّمٌ) وَهُوَ مَذْهَبُنَا (وَالْحَصْرُ) فِي التَّوَقُّفِ فِي الْحُكْمِ (الْأَوَّلِ) أَيْ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ (مَمْنُوعٌ بَلْ) قَدْ يَكُونُ (لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى خُصُوصِ حُكْمٍ فَإِنْ قُلْت هَذِهِ الْمَذَاهِبُ تُوجِبُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كَوْنَ الْحُكْمِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ إذْ لَا تَحَقُّقَ لَهُ) أَيْ لِلْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ (إلَّا بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَلَا نَفْسِيَّ عِنْدَهُمْ) فَكَيْفَ تَصَوَّرْت هَذِهِ الْمَذَاهِبَ عَلَى أُصُولِهِمْ
(فَالْجَوَابُ مَنْعُ تَوَقُّفِهِ) أَيْ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ (عَلَيْهَا) أَيْ الْبَعْثَةِ (لِجَوَازِ تَقَدُّمِهِ) أَيْ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ (عَلَيْهَا) أَيْ الْبَعْثَةِ (كَخِطَابَاتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ وَآدَمَ وَنُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ الْوَقْفُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ) أَيْ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالصَّوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّفْسِيرُ (الثَّانِي) أَيْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِخُصُوصِ الْحُكْمِ (لِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيِّ (أَيْ فِيهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ (حُكْمٌ لَا يَدْرِي مَا هُوَ إلَّا فِي الْبَعْثَةِ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَدْرِي بِالشَّرْعِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (يَتَعَلَّقُ) بِالْأَفْعَالِ (فَيَعْلَمُهُ) الْمُكَلِّفُ (فَمَحَلُّ وَقْفِ الْأَشْعَرِيِّ غَيْرُهُ) أَيْ وَقْفِ الْمُعْتَزِلَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَقْفَ (عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ عَنْ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ) بِالْأَفْعَالِ (وَلَا يُتَصَوَّرُ) وُجُودُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيِّ (قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَحَاصِلُهُ) أَيْ كَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ (إثْبَاتُ قِدَمِ الْكَلَامِ وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا سَيَظْهَرُ تَعَلُّقُهُ) أَيْ التَّنْجِيزِيِّ بِالْفِعْلِ (وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ كُلِّ نَافٍ لِلتَّعَلُّقِ) التَّنْجِيزِيِّ (قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (بِهِ) أَيْ بِالْأَشْعَرِيِّ (كَمَا لَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِهِمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (تَعَلُّقَهُ) أَيْ الْحُكْمِ بِالْأَفْعَالِ (مَعَ فَرْضِ عَدَمِ عِلْمِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ بِهِ (مَعَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَلَا يَعْلَمُهُ الْمُكَلَّفُونَ (لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِينَ بَلْ الثُّبُوتُ) فِي حَقِّهِمْ (مَعَ التَّعَلُّقِ) بِأَفْعَالِهِمْ التَّعَلُّقَ التَّنْجِيزَيَّ (وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّعَلُّقِ) لِأَنَّهَا إمَّا الْأَدَاءُ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ قَبْلَ الشَّرْعِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِتْيَانِ بِعَيْنِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي وَقْتِهِ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ وَبِكَيْفِيَّتِهِ وَلَا عِلْمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَإِمَّا تَرَتُّبُ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥]
(وَلَوْ قَالُوهُ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ الْوَقْفَ (كَالْأَشْعَرِيِّ كَانَ) ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ قَوْلًا (بِلَا دَلِيلٍ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ لَفْظٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (أَصْلًا) وَلَا نَفْسِيَّ عِنْدَهُمْ يَثْبُتُ بِهِ (بِخِلَافِ الْأَشْعَرِيِّ) فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّهُ (وَجَبَ ثُبُوتُ النَّفْسِيِّ أَوَّلًا) وَبِهِ كِفَايَةٌ إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ فَسَّرَ الْوَقْفَ بِعَدَمِ الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُتِمَّ لَهُ هَذَا وَإِنَّمَا يُتِمُّ لِلْمُصَنِّفِ وَلِأُولَئِكَ الْبُخَارِيِّينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute