للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ عَسَاهُ وَافَقَهُمْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ عَدَمَ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ لَهُ أَيْضًا (وَأَمَّا الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَفْعَالِ الْإِبَاحَةُ أَوْ الْحَظْرُ فَقِيلَ) إنَّمَا هُوَ (بَعْدَ الشَّرْعِ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ أَيْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْخِلَافِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ السَّمْعِيَّ لَوْ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بَطَلَ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ (لَا عِلْمَ قَبْلَهَا) أَيْ الْبِعْثَةِ (فَإِنْ أَمْكَنَ فِي الْإِبَاحَةِ تَأْوِيلُهُ) أَيْ قَوْلِهِمْ لَا عِلْمَ قَبْلَهَا (بِأَنْ لَا مُؤَاخَذَةَ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَمَعْلُومٌ مِنْ عَدَمِ التَّعَلُّقِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ (ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى فِي قَوْلِ الْحَظْرِ) لِلْمُؤَاخَذَةِ فِيهِ عَلَى التَّرْكِ (وَلَوْ أَرَادُوا) أَنَّ بِمَحَلِّ الْخِلَافِ (حُكْمًا بِلَا تَعَلُّقٍ بِمَعْنَى قِدَمِ الْكَلَامِ لَمْ يُتَّجَهْ إذْ بِالتَّعَلُّقِ ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ كُلُّ الْأَفْعَالِ مُبَاحَةً وَلَا مَحْظُورَةً فِي كَلَامِ النَّفْسِ لِأَنَّ اللَّفْظِيَّ دَلِيلُهُ) أَيْ النَّفْسِيِّ وَهُوَ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ يُفِيدُ أَنَّ فِيهِمَا النَّوْعَيْنِ فَبَطَلَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ (وَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ هَذَا عَلَى التَّنَزُّلِ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ جَيِّدٌ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافَ (أَقْوَالٌ مُقَرَّرَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَلَقَدْ اسْتَبْعَدَهُ)

أَيْ قَوْلَهُمْ هَذَا، مُرَادًا بِالْإِبَاحَةِ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ: لَا نَقُولُ بِهَذَا لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى) أَيْ مُهْمَلِينَ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ (فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّمَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: ٢٤] (وَإِنَّمَا هَذَا) أَيْ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (بِنَاءً عَلَى زَمَانِ الْفَتْرَةِ) الْوَاقِعَةِ بَيْنَ عِيسَى وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِاخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ وَوُقُوعِ التَّحْرِيفَاتِ فَلَمْ يَبْقَ الِاعْتِقَادُ وَالْوُثُوقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ فَظَهَرَتْ الْإِبَاحَةُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِقَابِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مُحَرِّمٌ وَلَا مُبِيحٌ وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا الْكَلَامُ (تَقْيِيدُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَ الْأَصْلِ الْإِبَاحَةُ (بِزَمَانِ عَدَمِ الْوُثُوقِ) الْمَذْكُورِ فَإِنْ قِيلَ كَمْ أُمَّةٍ فِي الْفَتْرَةِ وَلَمْ يَخْلُ فِيهَا نَذِيرٌ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ آثَارُ النِّذَارَةِ بَاقِيَةً لَمْ يَخْلُ مِنْ نَذِيرٍ إلَى أَنْ تَنْدَرِسَ وَحِينَ انْدَرَسَتْ آثَارُ نُبُوَّةِ عِيسَى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - هَذَا وَلَمْ يَقِفْ الْعَبْدُ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ هَكَذَا بَلْ الْمَذْكُورُ فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلِفِ فِيهَا الْمَقْبُولَةِ الْأَصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ وَفِي الْمَضَارِّ التَّحْرِيمُ فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَمَّا قَبْلَ وُرُودِهِ فَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ وَرُبَّمَا يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هِيَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ إلَخْ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ.

ثُمَّ الَّذِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ الْأَمْوَالَ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِالْإِجْمَاعِ مَا لَمْ تَظْهَرْ عِلَّةُ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ أَبَاحَ الْأَمْوَالَ بِقَوْلِهِ {الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَالْأَنْفُسُ أَنْفُسُ الْآدَمِيِّينَ مَعَ الْأَطْرَافِ عَلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَهُمْ الْعِبَادَاتِ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِبَادَاتِ إلَّا بِالْعِصْمَةِ عَنْ الْإِتْلَافِ وَالْعِصْمَةُ عَنْ الْإِتْلَافِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِحُرْمَةِ الْإِتْلَافِ نَفْسًا وَأَطْرَافًا وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزٌ وَفِي الْأَنْفُسِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْأَبْضَاعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَفِي الْأَطْرَافِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ فَأَبُو حَنِيفَةَ أَلْحَقَ الْأَطْرَافَ بِالْأَمْوَالِ وَهُمَا أَتْبَعَا الْأَطْرَافَ أُصُولَهَا وَأَلْحَقَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَبْضَاعَ بِالْأَنْفُسِ وَهُمَا أَلْحَقَاهَا بِالْأَمْوَالِ اهـ.

ثُمَّ هَذَا الْوَضْعُ أَوْلَى مِنْ الْوَضْعِ فِي الْمَنَافِعِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ اسْتِثْنَاءِ أَمْوَالِنَا وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَثْنَاهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنْ الْوَضْعِ فِي الْمَنَافِعِ وَيَبْقَى عَلَيْهِ اسْتِثْنَاءُ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ لَا تَمْنَعُ اخْتِصَاصَ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ النَّافِعَةِ بِبَعْضِ الْأَنَاسِيَّ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لِلْكُلِّ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُمَّ هَذَا

(تَنْبِيهٌ بَعْدَ إثْبَاتِ الْحَنَفِيَّةِ اتِّصَافَ الْأَفْعَالِ) بِكُلٍّ مِنْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (لِذَاتِهَا) أَيْ لِمَعْنًى ثَبَتَ فِي ذَاتِ الْأَفْعَالِ سَوَاءٌ كَانَ لَعَيْنِهَا أَوْ لِجُزْئِهَا (وَغَيْرِهَا) أَيْ وَلِمَعْنًى ثَبَتَ فِي غَيْرِ ذَاتِهَا (ضَبَطُوا مُتَعَلِّقَاتِ أَوَامِرِ الشَّرْعِ مِنْهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (بِالِاسْتِقْرَاءِ فِيمَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ حَسَنًا لَا يَقْبَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>