السُّقُوطَ كَالْإِيمَانِ) أَيْ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (فَلَمْ يَسْقُطْ) وُجُوبُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى عَنْ الْمُكَلَّفِ بِحَالٍ حَتَّى (وَلَا بِالْإِكْرَاهِ) عَلَى تَبْدِيلِهِ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ (أَوْ يَقْبَلُهُ) وَالْأَحْسَنُ وَيَقْبَلُهُ أَيْ وَفِيمَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ حُسْنًا يَقْبَلُ السُّقُوطَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ (كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ دَالَّةٍ عَلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ أَوَّلَهَا الطَّهَارَةُ سِرًّا وَجَهْرًا ثُمَّ جَمْعُ الْهِمَّةِ وَإِخْلَاءُ السِّرِّ وَالِانْصِرَافُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْقَصْدِ إلَيْهِ وَهُوَ النِّيَّةُ ثُمَّ الْإِشَارَةُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ إلَى تَحْقِيقِ الِانْصِرَافِ بِنَبْذِ مَا سِوَاهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ أَوْ إلَى نَفْيِ الْكِبْرِيَاءِ عَمَّا سِوَاهُ ثُمَّ أَوَّلُ أَذْكَارِهَا التَّكْبِيرُ وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي التَّعْظِيمِ الْقَوْلِيِّ وَأَوَّلُ ثَنَائِهَا ثَنَاءٌ لَا يَشُوبُهُ ذِكْرُ مَا سِوَاهُ ثُمَّ الْقِيَامُ مَعَ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ صَارِفًا نَظَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ تَعْظِيمٌ ظَاهِرٌ ثُمَّ إعْقَابُهُ بِالرُّكُوعِ زِيَادَةٌ فِي التَّعْظِيمِ ثُمَّ إلْحَاقُ السُّجُودِ بِهِ بِوَضْعِ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ عَلَى التُّرَابِ نِهَايَةٌ فِي التَّعْظِيمِ الْفِعْلِيِّ ثُمَّ مَا فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ تَعْظِيمٌ فِي تَعْظِيمٍ وَتَعْظِيمُ اللَّهِ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ إلَّا أَنَّهَا (مُنِعَتْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ) أَيْ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ لِمَا عُرِفَ ثَمَّةَ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَانِعِ مِنْهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ وَسَقَطَتْ أَصْلًا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إجْمَاعًا وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي
وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْوَجْهُ إنْ كَانَ) حُسْنُ الْأَفْعَالِ (لِذَاتِهَا لَا يَتَخَلَّفُ) عَنْهَا أَصْلًا لِأَنَّ مَا بِالذَّاتِ لَا يُفَارِقُهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً (فَحُرْمَتُهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ لِذَاتِهَا حَيْثُ تَكُونُ إنَّمَا تَكُونُ (لِعُرُوضِ قُبْحٍ بِخَارِجٍ) عَنْ ذَاتِهَا مُتَلَبِّسٍ بِهَا فَعَلَى هَذَا حُسْنُ الصَّلَاةِ إذْ كَانَ ذَاتِيًّا لَا يَسْقُطُ أَصْلًا حَتَّى وَلَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِنَّمَا مُنِعَتْ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْهَا لِعُرُوضِ شَبَهِ فَاعِلِهَا بِالْكُفَّارِ فِي السُّجُودِ لِلشَّمْسِ كَمَا نَبَّهَتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَفِي غَيْرِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ وَكَوْنِ ذَلِكَ الْقُبْحُ الْعَارِضُ يَرْبُو عِنْدَ الشَّارِعِ دَفْعُ حُصُولِهِ عَلَى حُصُولِ الْحُسْنِ الذَّاتِيِّ لَهَا وَقْتَئِذٍ وَلَا بِدَعْ فِي ذَلِكَ (وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ) أَيْ بِالْحُسْنِ لِنَفْسِهِ (مَا لِغَيْرِهِ) وَالْوَجْهُ مِمَّا لِغَيْرِهِ أَيْ حَسَنٌ لِغَيْرِ ذَاتِهِ حَالَ كَوْنِ الْغَيْرِ (بِخَلْقِهِ تَعَالَى لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ) فَإِنَّ حُسْنَهَا (لِسَدِّ الْخَلَّةِ) أَيْ دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالْوَجْهُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ فَإِنَّهَا الْكَائِنَةُ لِلْعَبْدِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَلَيْهَا بِدُونِ اخْتِيَارٍ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ دَفْعِهَا فَإِنَّهُ لِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فِيهِ دَخْلٌ (وَقَهْرُ عَدُوِّهِ تَعَالَى) وَهُوَ النَّفْسُ الْأَمَارَةُ بِالسُّوءِ بِكَفِّهَا عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا وَالْوَجْهُ وَلِلشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا الثَّابِتَةُ لِلْعَبْدِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَلَيْهَا بِلَا اخْتِيَارٍ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ قَهْرِهَا فَإِنَّهُ مِمَّا لِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فِيهِ دَخْلٌ (وَشَرَفُ الْمَكَانِ) أَيْ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ بِزِيَارَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ كَمَا فِي الْحَجِّ فَإِنَّ شَرَفَهُ بِتَشْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ إذْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا حَسَنَةٌ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ وَإِلَّا فَتَنْقِيصُ الْمَالِ وَكَفُّ مَمْلُوكِ اللَّهِ عَنْ نِعَمِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ وَقَطْعُ مَسَافَةٍ مَدِيدَةٍ وَزِيَارَةِ أَمْكِنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ فِي ذَاتِهَا ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْوَسَائِطُ عَلَى مَا حَرَّرْنَاهُ كَانَتْ مُضَافَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ حُكْمًا فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ حَسَنَةً خَالِصَةً مِنْ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا لِلْعَبْدِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَالصَّلَاةِ وَمِنْ ثَمَّةَ شُرِطَتْ فِيهَا الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ كَالصَّلَاةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الزَّكَاةِ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ ثُمَّ هَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَذَهَبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إلَى أَنَّ الْغَيْرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَقَهْرُ النَّفْسِ وَزِيَارَةُ الْبَيْتِ لَكِنَّ الْفَقِيرَ وَالْبَيْتَ لَا يَسْتَحِقَّانِ هَذِهِ الْعِبَادَةَ.
وَالنَّفْسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَحْسُنُ قَهْرُهَا فَارْتَفَعَ الْوَسَائِطُ فَصَارَتْ تَعَبُّدًا مَحْضًا لِلَّهِ تَعَالَى وَدُفِعَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لِلْعَبْدِ فِي الْخَارِجِ هِيَ الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ لَا شَيْءٌ آخَرُ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ وَسَائِطَ لِانْتِفَاءِ التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ وَتَعَقَّبَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ نَفْسَ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَتَعَقَّبَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا إذْ الْوَاسِطَةُ مَا يَكُونُ حُسْنُ الْفِعْلِ لِأَجْلِ حُسْنِهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute