للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَ الْحَاجَةِ وَالشَّهْوَةِ لَيْسَتْ ذَلِكَ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْفِعْلِ حَسَنًا لِأَجْلِ وَاسِطَةٍ أَنْ تَكُونَ الْوَاسِطَةُ حَسَنَةً وَنَظِيرُهُ الْكَلَامُ مُتَّصِفٌ بِالْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ بِوَاسِطَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ مُتَّصِفًا بِهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَ (مَا) حَسُنَ (لِغَيْرِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُلْحَقٍ) بِمَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ (كَالْجِهَادِ وَالْحَدِّ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) فَإِنَّ حُسْنَهَا (بِوَاسِطَةِ الْكُفْرِ) أَيْ كُفْرِ الْكَافِرِ كَمَا فِي الْجِهَادِ لِأَنَّ فِيهِ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ وَكَبْتَ أَعْدَائِهِ (وَالزَّجْرَ) لِلْجَانِي عَنْ الْمَعَاصِي كَمَا فِي الْحَدِّ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِهَذَا الْمَعْنَى (وَالْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ غَيْرُ الْبَاغِي) وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ أَيْضًا أَيْ وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّهِ وَلِهَذَا لَوْ انْتَفَى الْكُفْرُ انْتَفَى الْجِهَادُ أَوْ الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ انْتَفَى الْحَدُّ أَوْ إسْلَامُ الْمَيِّتِ أَوْ قَضَاءُ حَقِّهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ انْتَفَتْ شَرْعِيَّتُهَا وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ تَخْرِيبِ بِلَادِ اللَّهِ وَقَتْلِ عِبَادِ اللَّهِ وَإِيلَامِهِمْ وَتَعْذِيبِهِمْ وَالصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ بِدُونِ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِحَسَنٍ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا (اُعْتُبِرَتْ الْوَسَائِطُ) فِي هَذَا الْقِسْمِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْوَسَائِطَ (بِاخْتِيَارِهِ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَمْ تُضَفْ إلَيْهِ تَعَالَى هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَأَشَارَ فِي التَّلْوِيحِ إلَى تَعَقُّبِهِ بِمِثْلِ التَّعَقُّبِ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَبْلَهُ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ

وَذَهَبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إلَى أَنَّ الْوَاسِطَةَ فِي الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا يَتَأَدَّى بِعَيْنِهِمَا كَانَا شَبِيهَيْنِ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْجِهَادِ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ وَأَمْثَالُهُمَا وَهَذَا لَيْسَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ فِي الْخَارِجِ صَارَ إعْلَاؤُهَا كَالسَّقْيِ فِي الْمَفْهُومِ هُوَ غَيْرُ الْإِرْوَاءِ وَلَكِنْ فِي الْخَارِجِ هُوَ عَيْنُهُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي الْبَاقِي قِيلَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هُنَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُوَ الْجِهَادُ وَنَحْوُهُ وَالْمَقْصُودُ الَّذِي يَتَأَدَّى بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ وَالسَّبَبُ الْمُفْضِي إلَيْهِ الْمُوجِبُ لَهُ وَهُوَ كُفْرُ الْكَافِرِ وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ أَمَّا كَوْنُ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ مَقْصُودًا مِنْ الْجِهَادِ فَلِأَنَّ الْجِهَادَ فِي نَفْسِهِ تَخْرِيبُ بُنْيَانِ الرَّبِّ وَبِلَادِهِ فَلَا جِهَةَ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ وَكَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِلَا مَيِّتٍ عَبَثٌ وَالْمَعَانِي الْمَقْصُودَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُغَايِرَةً لَهَا مَفْهُومًا هِيَ عَيْنُهَا خَارِجًا لِأَنَّ بِنَفْسِ الْقَتْلِ وَالصَّلَاةِ فِي الْخَارِجِ يَحْصُلُ الْإِعْلَاءُ وَقَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ وَأَمَّا كَوْنُ كُفْرِ الْكَافِرِ وَإِسْلَامِ الْمَيِّتِ سَبَبًا لِلْمَقْصُودِ فَلِشَرْعِيَّةِ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ لِلْإِعْلَاءِ وَقَضَاءِ حَقِّ الْمَيِّتِ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا جَعَلُوا كُفْرَ الْكَافِرِ وَنَحْوَهُ وَاسِطَةً لِحُسْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ قُلْت وَيَتَلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ السَّبَبُ الْمُفْضِي لِوُجُوبِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَالْغَرَضُ الْمُرَتَّبُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ وَيَبْقَى الشَّأْنُ فِي أَيِّهِمَا أَرْجَحُ فِي الِاعْتِبَارِ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَلَعَلَّ الثَّانِي أَرْجَحُ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْغَيْرَ السَّبَبَ إلَّا مَعَ مُلَاحَظَةِ تَرَتُّبِ الْغَرَضِ عَلَى مُسَبِّبِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَتَقَدَّمَ أَقْسَامُ مُتَعَلِّقَاتِ النَّهْيِ) مَا بَيْنَ حِسِّيٍّ وَشَرْعِيٍّ وَبَيَانِ الْمُتَّصِفِ مِنْهَا بِالْقُبْحِ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي تَنْبِيهٍ فِي ذَيْلِ النَّهْيِ (وَكُلُّهَا) أَيْ مُتَعَلِّقَاتِ أَوَامِرِ الشَّرْعِ وَنَهْيِهِ (يَلْزَمُهُ حُسْنُ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ) لِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَاجِزِ قَبِيحٌ فَلَا يُجْعَلُ مِنْ أَقْسَامِ حُسْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ خَاصَّةً كَمَا فَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا مَعَ بَيَانِ انْقِسَامِهَا إلَى مُمْكِنَةٍ وَمُيَسَّرَةٍ عِنْدَ مَشَايِخِنَا فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ ثُمَّ بَقِيَ هُنَا أُمُورٌ يَحْسُنُ التَّنَبُّهُ لَهَا الْأَوَّلُ إنَّ جَعْلَ الْمُصَنِّفِ الْقِسْمَ الثَّالِثَ مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِالْحُسْنِ لِنَفْسِهِ وَحُسْنِهِ لِغَيْرِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ إنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ لَكِنَّهُ مُشَابِهٌ بِمَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَمِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْبَدِيعِ إنَّهُ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ

وَمِمَّا يُوَافِقُ صَنِيعَ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْحَسَنَ لِنَفْسِهِ وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى بِالْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَفِيمَا لِغَيْرِهِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ مُلْحَقًا بِمَا لِنَفْسِهِ.

الثَّانِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَغْفَلَ قِسْمًا يَكُونُ خَامِسًا لِهَذِهِ وَهُوَ مَا حَسُنَ لِغَيْرِهِ غَيْرِ مُلْحَقٍ بِالْحَسَنِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَتَأَدَّى الْغَيْرُ بِهِ كَالْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَاتَيْهِمَا اللَّتَيْنِ هُمَا الْغُسْلُ وَالْمَسْحُ لِأَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ وَنَفْلُ الْأَقْدَامِ لَيْسَتَا بِحَسَنَتَيْنِ وَإِنَّمَا حُسْنُهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِمَا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>