للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةِ وَيُتَمَكَّنُ مِنْهَا بِهِمَا وَهِيَ فِعْلُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ لَا يَتَأَدَّى بِهِمَا وَلَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْجِهَادِ وَمَا مَعَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ غَيْرَ مُلْحَقٍ بِالْحَسَنِ لِنَفْسِهِ فَالْغَيْرُ الَّذِي هُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ مُتَأَدِّيًا بِالْجِهَادِ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ ذَكَرَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَوَافَقَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهَا وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَالْمَعْنَى فِي وَضْعِهِ كَالصَّلَاةِ وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَالْمَعْنَى مُتَّصِلٌ بِوَضْعِهِ بِوَاسِطَةٍ كَالزَّكَاةِ وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَيَحْصُلُ الْمَعْنَى بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ نَحْوُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا مَعَهَا وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَيَحْصُلُ بَعْدَهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ كَالْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ وَوَافَقَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ لَكِنَّ هَكَذَا حَسَنٌ لَعَيْنِهِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَحَسَنٌ لَعَيْنِهِ قَدْ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَالصَّلَاةِ وَحَسَنٌ لِغَيْرِهِ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَا لِأَجْلِهِ كَانَ حَسَنًا كَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ وَالْوُضُوءِ وَحَسَنٌ لِغَيْرِهِ يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِهِ مَا لِأَجْلِهِ كَانَ حَسَنًا كَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا مَعَهَا فَالْأَكْمَلُ فِي اسْتِيفَاءِ الْأَقْسَامِ مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ كَمَا حَقَّقْنَاهُ.

الثَّالِثُ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ثُمَّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْحَسَنِ لَعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ يَقْتَضِي كَوْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ حَسَنًا لَعَيْنِهِ حَسَنًا لَا يَقْبَلُ السُّقُوطَ وَفِي الْبَدِيعِ وَقِيلَ بَلْ الْحَسَنُ لِغَيْرِهِ لِثُبُوتِ الْحَسَنِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ اقْتِضَاءً وَهُوَ ضَرُورِيٌّ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْأَدْنَى الرَّابِعُ أَنَّ مَا حَسُنَ لَعَيْنِهِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ إسْقَاطٍ مِنْ الشَّارِعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ وَمَا حَسُنَ لِغَيْرِهِ يَسْقُطُ بِحُصُولِ مَا قَصَدَ بِهِ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ أَوْ لَا وَبِسُقُوطِ مَا قَصَدَ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

(وَقَسَّمُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عِبَادَاتٍ أَوْ عُقُوبَاتٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (إلَى حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ) قَالُوا: وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ لِلْعَالَمِ مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصٍ بِأَحَدٍ نُسِبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَظَمِ خَطَرِهِ وَشُمُولِ نَفْعِهِ وَلِئَلَّا يَخْتَصَّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ كَحُرْمَةِ الْبَيْتِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مَصْلَحَةُ الْعَالَمِ بِاِتِّخَاذِهِ قِبْلَةً لِصَلَوَاتِهِمْ وَمَثَابَةً لِاعْتِذَارِ إجْرَامِهِمْ وَحُرْمَةِ الزِّنَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ عُمُومِ النَّفْعِ فِي سَلَامَةِ الْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَصِيَانَةِ الْأَوْلَادِ مِنْ الضَّيَاعِ وَارْتِفَاعِ السَّيْفِ بَيْنَ الْعَشَائِرِ بِسَبَبِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الزُّنَاةِ وَإِلَّا فَبِاعْتِبَارِ التَّخْلِيقِ الْكُلُّ سَوَاءٌ فِي الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَبِاعْتِبَارِ التَّضَرُّرِ أَوْ الِانْتِفَاعِ هُوَ مُتَعَالٍ عَنْ الْكُلِّ قَالَ الْقَاآنِيُّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ يَعْنِي بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَكُونُ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ اللَّهُ حَتَّى لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَالْعَبْدُ كَذَلِكَ) أَيْ وَإِلَى حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ خَاصَّةٌ كَحُرْمَةِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى الْخُصُوصِ لِتَعَلُّقِ صِيَانَةِ مَالِهِ بِهَا وَلِهَذَا يُبَاحُ مَالُ الْغَيْرِ بِإِبَاحَةِ مَالِكِهِ وَلَا يُبَاحُ الزِّنَا بِإِبَاحَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا بِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا وَأَوْرَدَ حُرْمَةَ مَالِ الْغَيْرِ أَيْضًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ وَهُوَ صِيَانَةُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ أَجْمَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَنَحْنُ نَمْلِكُ أَمْوَالَهُمْ بِذَلِكَ وَأَمْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ تُبَاحُ لَنَا عِنْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمْ (وَمَا اجْتَمَعَا) أَيْ الْحَقَّانِ فِيهِ

(وَحَقُّهُ) تَعَالَى (غَالِبٌ وَقَلَبَهُ) أَيْ وَمَا اجْتَمَعَا فِيهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ (وَلَمْ يُوجَدْ الِاسْتِقْرَاءُ مُتَسَاوِيَيْنِ) أَيْ مَا اجْتَمَعَا فِيهِ وَالْحَقَّانِ فِيهِ سَوَاءٌ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَعْنَى الْحَقِّ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَيْضًا (فَالْأَوَّلُ) أَيْ مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُصُوصِ (أَقْسَامٌ) ثَمَانِيَةٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ (عِبَادَاتٌ مَحْضَةٌ كَالْإِيمَانِ وَالْأَرْكَانِ) الْأَرْبَعَةِ لِلْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَهِيَ الصَّلَاةُ ثُمَّ الزَّكَاةُ ثُمَّ الصِّيَامُ ثُمَّ الْحَجُّ (ثُمَّ الْعُمْرَةُ وَالْجِهَادُ وَالِاعْتِكَافُ وَتَرْتِيبُهَا) أَيْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ (فِي الْأَشْرَفِيَّةِ هَكَذَا) أَيْ الْإِيمَانِ إذْ هُوَ أَفْضَلُهَا قَطْعًا وَكَيْفَ لَا وَهُوَ أَصْلُهَا وَلَا صِحَّةَ لَهَا بِدُونِهِ ثُمَّ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا تَالِيَةُ الْإِيمَانِ وَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى إيمَانًا حَيْثُ قَالَ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣] وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهَا إظْهَارُ شُكْرِ نِعْمَةِ الْبَدَنِ ثُمَّ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا تَالِيَةُ الصَّلَاةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِيهَا إظْهَارُ شُكْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>