بِالْوَقْتِ (لِزِيَادَةِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ لِشَرَفِهِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْوَقْتُ (قَيْدًا فِيهِ) أَيْ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ (دَاخِلًا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ جَازَ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ (مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاجِبِ وَلَا وَاجِبَ قَبْلَ التَّعَلُّقِ) بِالْوَقْتِ فَصَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَيْرُ وَاجِبٍ قَبْلَ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقَدْ انْدَرَجَ فِي هَذَا دَلِيلُ الْمُخْتَارِ (ثُمَّ قِيلَ ثَمَرَتُهُ) أَيْ الْخِلَافِ (فِي الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ) إذَا فَاتَ وَقْتُهُ (يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الثَّانِي) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَسَنَذْكُرُ مَا فِيهِ (وَلَا) يَجِبُ (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِأَمْرٍ آخَرَ لِعَدَمِ وُرُودِ دَلِيلٍ مَقْصُودٍ فِيهِ.
قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمُنْتَخَبِ (وَقِيلَ الْقَضَاءُ) فِيهِ (اتِّفَاقٌ) ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ (فَلَا ثَمَرَةَ) لِهَذَا الْخِلَافِ وَفِيهِ بَحْثٌ فَاتَ فِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ آخَرَ مَقْصُودٍ غَيْرِ النَّذْرِ وَهُوَ التَّفْوِيتُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ مَقْصُودٍ حَتَّى كَأَنَّهُ إذَا فَوَّتَ فَقَدْ الْتَزَمَ الْمَنْذُورَ ثَانِيًا أَوْ قَضَاءَ الْمَنْذُورِ قَصْدًا وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِالنَّذْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَوَاتُ عِنْدَ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ كَالتَّفْوِيتِ وَهُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْأَدَاءُ لِعُذْرٍ لِعَدَمِ النَّصِّ الْمَقْصُودِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فِي حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَفِي التَّخْرِيجِ، وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ عِنْدَهُمْ كَالتَّفْوِيتِ كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ فَلَا يَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّخْرِيجِ لَا غَيْرُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَيُطَالِبُونَ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ (بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْإِتْيَانِ بِهِ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ فِيمَا يَظْهَرُ، ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهَكَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ مَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْقَضَاءِ أَيَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ فَعَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُطَالِبُونَ بِالنَّصِّ الْمَقْصُودِ (وَلَوْ قِيلَ) بَدَلَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ (بِسَبَبٍ) آخَرَ أَوْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَمْرِ الَّذِي بِهِ وَجَبَ الْأَدَاءُ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ وَهُوَ أَوْلَى (شَمِلَ الْقِيَاسَ فَيُمْكِنُ) أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْآخَرَ هُوَ الْقِيَاسُ (عَلَى الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَعَلَى الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] اعْتِبَارًا لِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً.
وَأَمَّا مَا قِيلَ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبَتٌ فَيَكُونُ بَقَاءُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَنُوقِضَ) الْمُخْتَارُ (بِنَذْرِ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَعْتَكِفْهُ) أَيْ رَمَضَانَ حَيْثُ (يَجِبُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَضَاؤُهُ (بِصَوْمٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يُوجِبْهُ) أَيْ نَذْرُ اعْتِكَافِهِ صَوْمَهُ لِوُجُوبِهِ بِدُونِ النَّذْرِ (فَكَانَ) الْقَضَاءُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْأَدَاءِ (وَيَبْطُلُ) النَّذْرُ (كَأَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ) ابْنِ زِيَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِلَا صَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَلَا إيجَابُهُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ (أُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ نَذْرَ الِاعْتِكَافِ (مُوجِبٌ) لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ فَيَجِبُ لِوُجُوبِهِ إلَّا أَنَّهُ (امْتَنَعَ) إيجَابُهُ لَهُ (فِي خُصُوصِ ذَلِكَ) أَيْ إضَافَتِهِ إلَى رَمَضَانَ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرْطٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ تَبَعًا لَا قَصْدًا (فَعِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ الْمَانِعِ وَهُوَ رَمَضَانُ (ظَهَرَ أَثَرُهُ) أَيْ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ كَمُتَطَهِّرٍ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ وَإِذَا انْتَقَضَتْ لَزِمَتْهُ لِأَدَائِهِمَا بِذَلِكَ النَّذْرِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ (وَلَزِمَ أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَلَا وَاجِبٍ) آخَرَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَكِنَّهُ مِمَّا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهِ فَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُ النَّذْرِ فِي إيجَابِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute