(بَعْدَ إفْسَادِهَا وَالْتِزَامِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ) أَيْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ (أَنَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ (قَضَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ وَقْتُهَا بِدُخُولِهِ فَفَاتَ وَقْتُ إحْرَامِهِ بِهَا (بَعِيدٌ إذْ لَا يَنْوِي) الْقَضَاءَ بِهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَتْ قَضَاءً لَوَجَبَتْ نِيَّتُهُ. قُلْت وَقَوْلُ السُّبْكِيّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا قَضَاءً وُجُوبُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّا لَا نَشْرِطُ نِيَّةَ الْقَضَاءِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا نِيَّةَ الْأَدَاءِ فِي الْأَدَاءِ عَجَبٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعَدُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَمُرَادُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ الصِّحَّةَ لِمَنْ نَوَى جَاهِلَ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ ظَانًّا خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ بَقَاءَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ظَنِّهِ، أَمَّا الْعَالِمُ بِالْحَالِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ قَطْعًا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ مُبْطِلَةٌ لِلْمُؤَدِّي بَعْدَ الْإِفْسَادِ فَلَا يُمْكِنُ نِيَّتُهُ، ثُمَّ التَّضْيِيقُ بِالشُّرُوعِ بِفِعْلِهِ لَا بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَالنَّظَرُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ إلَى أَمْرِ الشَّرْعِ
(وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ هِيَ (إعَادَةٌ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ عَلَى تَعْرِيفِهَا لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَاسْتِبْعَادُ قَوْلِ الْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (فِيمَنْ) أَدْرَكَ وَقْتَ الْفِعْلِ، ثُمَّ (أَخَرَّ) الْفِعْلَ (عَنْ جُزْءٍ) مِنْهُ (مَعَ ظَنِّ مَوْتِهِ قَبْلَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (حَتَّى أَثِمَ) بِالتَّأْخِيرِ (اتِّفَاقًا) حَيْثُ قَالَ الْقَاضِي (إنَّهُ) أَيْ فِعْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا (قَضَاءٌ) خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ فِي كَوْنِهِ أَدَاءً (إنْ أَرَادَ) بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ (نِيَّةُ الْقَضَاءِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الظَّنَّ كَمَا صَارَ سَبَبًا لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ الْوَقْتِ جُزْءًا صَارَ سَبَبًا أَيْضًا لِخُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا أَوَّلًا بِالْكُلِّيَّةِ ثَابِتٌ وَهُوَ خَبَرُ اسْتِبْعَادٍ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَخُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا لَهُ أَوَّلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ تَعَيُّنَ ذَلِكَ الْجُزْءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعِصْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهُ فِي خُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ وَقْتًا عِنْدَ ظُهُورِ فَسَادِ الظَّنِّ الْمُقْتَضِي لِتَعَيُّنِهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا (فَلَفْظِيٌّ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ فِعْلٌ وَاقِعٌ فِي وَقْتٍ كَانَ مُقَدَّرًا لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا وَهُمْ يُوَافِقُونَهُ فِي كَوْنِهِ وَاقِعًا خَارِجَ مَا صَارَ وَقْتًا لَهُ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا مُنَازَعَةَ فِي الْمَعْنَى (وَتَعْرِيفُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (بِفِعْلِ مِثْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ (إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (بِآخَرَ) أَيْ بِسَبَبٍ غَيْرِ سَبَبِ الْأَدَاءِ.
(وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (بِمِثْلِ مَعْقُولٍ) أَيْ مُدْرِكٍ لِلْعَقْلِ مُمَاثَلَتَهُ لِلْفَائِتِ كَالصَّلَاةِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِلصَّوْمِ هَلْ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ أَوْ بِأَمْرٍ آخَرَ (فَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ) مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَامَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَجِبُ (بِأَمْرٍ آخَرَ وَالْمُخْتَارُ لِلْحَنَفِيَّةِ) كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعِيهِمْ يَجِبُ (بِهِ) أَيْ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمِثْلَ بِالْمَعْقُولِ؛ لِأَنَّهُ بِمِثْلِ غَيْرِ مَعْقُولٍ أَيْ غَيْرِ مُدْرِكٍ لِلْعَقْلِ مُمَاثَلَتَهُ لِلْفَائِتِ لِعَجْزِهِ لَا أَنَّ الْعَقْلَ يَنْفِيهِ وَيْحُكُمْ بِعَدَمِ مُمَاثَلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَهِيَ لَا تَتَنَاقَضُ كَالْفِدْيَةِ لِلصَّوْمِ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ بِالِاتِّفَاقِ (لِلْأَكْثَرِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ اقْتِضَاءِ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ صُمْ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا) لَوْ اقْتَضَاهُ (كَانَا) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَصَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (سَوَاءً) فِي كَوْنِهِمَا أَدَاءً بِمَنْزِلَةِ صُمْ إمَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِمَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ فَلَا يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ (وَالْجَوَابُ مُقْتَضَاهُ أَمْرَانِ الْتِزَامُ الصَّوْمِ وَكَوْنُهُ) أَيْ الصَّوْمِ (فِيهِ) أَيْ يَوْمِ الْخَمِيسِ.
(فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّانِي) وَهُوَ كَوْنُهُ فِيهِ الَّذِي بِهِ كَمَالُ الْمَأْمُورِ بِهِ (لِفَوَاتِهِ بَقِيَ اقْتِضَاؤُهُ الصَّوْمَ لَا فِي) خُصُوصِ (الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْمُسَاوَاةِ (لَوْ اقْتَضَاهُ) أَيْ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ الصَّوْمَ (فِي مُعَيَّنٍ) غَيْرِهِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (نَعَمْ لَوْ اقْتَضَى فَوَاتُهُ) أَيْ الْأَدَاءِ (ظُهُورَ بُطْلَانِ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَمَفْسَدَتَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى ظُهُورَ وَبِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بُطْلَانِ (سَقَطَ) الْوَاجِبُ بِالْكُلِّيَّةِ (لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ) وَهُوَ ظُهُورُ بُطْلَانِ مَصْلَحَتِهِ وَمَفْسَدَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ اقْتِضَاءُ فَوَاتِهِ ذَلِكَ (بَعِيدٌ إذْ عَقْلِيَّةُ حُسْنِ الصَّلَاةِ وَمَصْلَحَتُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ كَقَبْلِهِ) أَيْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ.
وَإِنَّمَا امْتَنَعَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْوَقْتِ لِامْتِنَاعِ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ (وَغَايَةُ تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ (بِهِ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute