ذَلِكَ فِيهَا (كَالْحَجْرِ عَلَى كَمِّيَّاتٍ مُتَسَاوِيَةٍ) أَيْ الْحَجْرِ عَلَى تَقْطِيعٍ وَاحِدٍ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ إحْدَاهَا بِالْأُخْرَى مَعَ وُجُودِ الْمُشَابَهَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْأَعْيَانِ مَعَ أَنْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى أَوْلَى وَلِمَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى ضَمَانِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالْعَيْنِ بِدَلِيلِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَا يَرِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَأَشَارَ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ (وُرُودُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ) أَيْ ثَبَتَ تَقَوُّمُهَا فِي الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْعَيْنِ مَقَامَهَا لِضَرُورَةِ حَاجَةِ النَّاسِ فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ مَاسَّةٌ إلَى شَرْعِيَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يُضَافُ إلَيْهِ فَجُعِلَتْ مُحَرَّزَةً حُكْمًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِأَنْ أُقِيمَ الْعَيْنَ مَقَامَهَا وَأُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ.
وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْمَنَافِعِ حَتَّى لَوْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا لَا يَصِحُّ وَلَيْسَ مِثْلُ هَذِهِ الضَّرُورَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قِيلَ الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى ضَمَانِهَا هُنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ انْفِتَاحَ بَابِ الظُّلْمِ وَإِبْطَالَ حَقِّ الْمُلَّاكِ بِالْكُلِّيَّةِ أُجِيبُ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ وَالْعُدْوَانُ مِمَّا يَنْدُرُ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَسَبِيلُهُ عَدَمُ الْوُجُودِ (وَلَمْ يَنْحَصِرْ دَفْعُهَا) أَيْ حَاجَةِ دَفْعِ الْعُدْوَانِ (فِي التَّضْمِينِ بَلْ الضَّرْبُ وَالْحَبْسُ أَدْفَعُ) لِلْعُدْوَانِ مِنْ التَّضْمِينِ وَنَحْنُ أَوْجَبْنَاهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْمُتَعَدِّي تَعْزِيرًا لَهُ عَلَى عِدْوَانِهِ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ الْمَنَافِعِ بِالْعَقْدِ لَوْ كَانَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْعُدْوَانُ عَلَيْهِ لِلْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ إنَّمَا وَجَبَ بِالتَّرَاضِي وَلِلرِّضَا أَثَرٌ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي إيجَابِ الْفَضْلِ أَيْضًا.
كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْفَضْلُ عَلَى الْقِيمَةِ لِرِضَاهُ بِهِ وَضَمَانِ الْعُدْوَانِ يُبْنَى عَلَى أَوْصَافِ الْعَيْنِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِجَبْرِ الْقَاضِي لَا عَلَى التَّرَاضِي فَانْتَفَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمَالِكِ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ هَذَا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَأَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ يُفْتُونَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسَبَّلَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُوجِبُونَ أَجْرَ مَنَافِعِهَا عَلَى الْغَصَبَةِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا مَنَافِعُ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفَةِ مَضْمُونَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْوَقْفِ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ لُزُومُ الْأَجْرَانِ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ إذَا كَانَ الْعَيْنُ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بَلْ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ مَبَاحِثِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَنْبَغِيَ الْفَتْوَى بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ مُطْلَقًا لَوْ غَلَبَ غَصْبُهَا وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا نَذْكُرُهُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَلَا) يَضْمَنُ (الْقِصَاصَ بِقَتْلِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ) الْقِصَاصَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ.
(وَلَا) يَضْمَنُ أَيْضًا (مِلْكَ النِّكَاحِ بِشَهَادَةِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا) أَيْ الشُّهُودُ بِالطَّلَاقِ بِشَيْءٍ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا) أَيْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاتِلَ لِلْقَاتِلِ يَضْمَنُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْوَلِيِّ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَتْلِهِ فَيَضْمَنُ وَأَنَّ الشُّهُودَ يَضْمَنُونَ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُتَقَوِّمٌ عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونُ مُتَقَوِّمًا عَلَيْهِ زَوَالًا؛ لِأَنَّ الزَّائِلَ عَيْنُ الثَّابِتِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يَجُوزُ اكْتِسَابُهُ بِلَا بَدَلٍ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مَهْرٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا نَحْنُ لَا يَضْمَنُ الْقِصَاصَ بِالدِّيَةِ وَمِلْكَ النِّكَاحِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْمَهْرِ (لِأَنَّ الدِّيَةَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُمَاثِلَانِهِمَا) أَيْ الْقِصَاصَ وَمِلْكَ النِّكَاحِ صُورَةً وَلَا مَعْنًى، أَمَّا صُورَةٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ الِانْتِقَامُ وَالتَّشَفِّي بِإِعْدَامِ الْحَيَاةِ لِلْإِحْيَاءِ وَمِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ السَّكَنُ وَالِازْدِوَاجُ وَإِبْقَاءُ النَّسْلِ فَلَمْ يَكُونَا مَالًا مُتَقَوِّمًا.
(وَالتَّقَوُّمُ) بِالْمَالِ فِي بَابِ الْقَتْلِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ (شَرْعِيٌّ لِلزَّجْرِ) كَمَا فِي قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا (أَوْ لِجَبْرٍ) كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ (وَلِلْخَطَرِ) أَيْ لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فِيهِمَا أَيْضًا صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَلِشَرَفِ بُضْعِ الْمَرْأَةِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ حَالَةَ ثُبُوتِهِ تَعْظِيمًا لَهُ لِيَكُونَ مَصُونًا عَنْ الِابْتِذَالِ بِتَمَلُّكِهِ مَجَّانًا فَإِنَّ لَهُ خَطَرًا كَالنُّفُوسِ لِكَوْنِ النَّسْلِ حَاصِلًا مِنْهُ وَلِذَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِمَهْرٍ وَشُهُودٍ وَوَلِيٍّ فِي بَعْضٍ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute