للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا صَحَّحَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةِ «الْخِلَافَةِ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» وَفِي رِوَايَةٍ «الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي، وَفِي لَفْظِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ قَالَ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ» وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى خِلَافَتِهِمْ (وَيَنْقَسِمُ مُطْلَقُهَا) أَيْ السُّنَّةِ (إلَى سُنَّةِ هَدْيٍ) وَهِيَ مَا يَكُونُ إقَامَتُهَا تَكْمِيلًا لِلدِّينِ (تَارِكُهَا) بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ (مُضَلَّلٌ مَلُومٌ كَالْأَذَانِ) لِلْمَكْتُوبَاتِ كَمَا هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَإِلَّا فَقَدْ ذَهَبَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى وُجُوبِهِ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ أَصْلًا وَهُوَ قَوِيٌّ (وَالْجَمَاعَةِ) لَهَا وَيَشْهَدُ لَهُ مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافَظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ.

(وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ الْمُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِهَا) أَيْ سُنَّةِ الْهُدَى كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَهْلِ مِصْرَ تَرَكُوا الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ أُمِرُوا بِهِمَا فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا بِالسِّلَاحِ (لِلِاسْتِخْفَافِ) ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ إعْلَامِ الدِّينِ فَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهِ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ قُوتِلُوا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْأَذَانِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَهُ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَحَبَسْته بَلْ وَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ تَرَكَ أَهْلُ كُورَةٍ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَحَبَسْته؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُصِرًّا عَلَى التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ اسْتِخْفَافٌ كَمَا فِي الْجَمَاعَةِ الْمُصِرِّينَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَا مُلَامَ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ السُّنَنِ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ (وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مُطْلِقُهَا) أَيْ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِي عَلَى مَا فِي الْأُمِّ أَوْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ (يَنْصَرِفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَسْنُونِهِ (- عَلَيْهِ السَّلَامُ -) وَعَزَاهُ مِنْ الرَّاوِي صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ إلَى أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ (صَحِيحٌ فِي عُرْفِ الْآنَ وَالْكَلَامُ فِي عُرْفِ السَّلَفِ لِيُعْمَلَ بِهِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الرَّاوِي) صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (السُّنَّةُ أَوْ مِنْ السُّنَّةِ وَكَانُوا) أَيْ السَّلَفُ (يُطْلِقُونَهَا) أَيْ السُّنَّةَ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) أَيْ سُنَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَلَا سِيَّمَا الْعُمَرَيْنِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ جَلْدِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ لَمَّا أَمَرَ الْجَلَّادَ بِالْإِمْسَاكِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَالَ: مَالِكٌ قَالَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ سُنَنًا الْأَخْذُ بِهَا اعْتِصَامٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ تَبْدِيلُهَا وَلَا تَغْيِيرُهَا وَلَا النَّظَرُ فِي أَمْرٍ خَالَفَهَا مَنْ اهْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ وَمَنْ اسْتَنْصَرَ بِهَا فَهُوَ مَنْصُورٌ وَمَنْ تَرَكَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي مَدِيحِ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ

فَجَاءَ بِسُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ فِيهَا ... شِفَاءً لِلصُّدُورِ مِنْ السَّقَامِ

، وَفِي سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ

إنَّا لَنَرْجُو أَنْ تُعِيدَ لَنَا ... سُنَنَ الْخَلَائِفِ مِنْ بَنِي فِهْرِ

عُثْمَانَ إذْ ظَلَمُوا وَانْتَهَكُوا ... دَمَهُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ

وَدِعَامَةَ الدِّينِ الَّتِي اعْتَدَلَتْ ... عُمَرًا وَصَاحِبَهُ أَبَا بَكْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>