للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَيْفَ لَا وَقَدْ ثَبَتَ إطْلَاقُ السُّنَّةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا سَنُّوهُ كَمَا رَوَيْنَا آنِفًا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابَعُوهُمْ وَالصَّيْرَفِيُّ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَرَى فِي الْقَدِيمِ أَنَّ ذَلِكَ مَرْفُوعٌ إذَا صَدَرَ مِنْ الصَّحَابِيِّ أَوْ التَّابِعِيِّ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُطْلِقُونَهُ وَيُرِيدُونَ سُنَّةَ الْبَلَدِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ النَّقْلُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ مَعًا، وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ زَيْنِ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ التَّابِعِيِّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْ السُّنَّةِ كَثِيرًا مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ إذَا قَالَهُ التَّابِعِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَهُ الصَّحَابِيُّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ بَلْ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْحَاكِمِ فَقَالَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ أَيْضًا إذَا قَالَهَا غَيْرُ الصَّحَابِيِّ فَكَذَلِكَ مَا لَمْ يُضِفْهَا إلَى صَاحِبِهَا كَسُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ وَهَذَا مِنْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى الْخِلَافِ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الْمُقْتَدِي وَالْمُتَّبِعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِضَافَةُ مُطْلَقِهَا إلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَإِلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ لِاقْتِدَائِهِ فِيهَا بِسُنَّتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ فِي قِصَّتِهِ مَعَ الْحَجَّاجِ حِينَ قَالَ لَهُ إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قُلْت لِسَالِمٍ أَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهَلْ يَعْنُونَ بِذَلِكَ إلَّا سُنَّتَهُ فَنَقَلَ سَالِمٌ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَحَدُ الْحُفَّاظِ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوا السُّنَّةَ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إلَّا سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقِهَا عَلَى سُنَّتِهِمْ لَا يَلْزَمُنَا؛ لِأَنَّنَا لَا نُنْكِرُ جَوَازَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ فَهْمَ سُنَّةِ غَيْرِهِ مِنْ إطْلَاقِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْمِيزَانِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا لَوْ قِيلَ اللَّفْظُ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِسُنَّتِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِسُنَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَإِلَى) سُنَنٍ (زَائِدَةٍ كَمَا فِي أَكْلِهِ وَقُعُودِهِ وَلُبْسِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا أَخْذُهَا حَسَنٌ وَتَرْكُهَا لَا بَأْسَ بِهِ أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ وَلَا إسَاءَةٌ (وَإِلَى نَفْلٍ) وَهُوَ الْمَشْرُوعُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ لَنَا لَا عَلَيْنَا (يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَأَدَاءُ الْعِبَادَةِ سَبَبٌ لِنَيْلِ الثَّوَابِ (فَقَطْ) أَيْ وَلَا يُعَاقَبُ وَلَا يُعَاتَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ صَوْمُ الْمُسَافِرِ حَيْثُ يُوجَدُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهُ يَقَعُ فَرْضًا لِمَنْعِ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى التَّرْكِ أَصْلًا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يُلَامُ عَلَى التَّأْخِيرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ (وَمِنْهُ) أَيْ النَّفْلِ الرَّكْعَتَانِ (الْأُخْرَيَانِ) مِنْ الرَّبَاعِيَةِ (لِلْمُسَافِرِ) ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِمَا وَلَا يُعَاقَبُ وَلَا يُعَاتَبُ عَلَى تَرْكِهِمَا (فَلَمْ يَنُوبَا عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِ السُّنَّةِ فِي وُقُوعِهَا سُنَّةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْأُخْرَيَانِ (وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَالْمَنْدُوبُ) كَالرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالسِّتَّةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ (وَثُبُوتُ التَّخْيِيرِ فِي ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ) النَّفْلِ بَيْنَ التَّلَبُّسِ بِهِ وَعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِهِ (لَا يَسْتَلْزِمُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا اسْتِمْرَارَهُ) أَيْ التَّخْيِيرِ (بَعْدَهُ) أَيْ الشُّرُوعِ فِيهِ (كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْهُ (فَجَازَ الِاخْتِلَافُ) بَيْنَ ثُبُوتِ التَّخْيِيرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَيْنَ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذَا شَرَعَ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ) يُعِينُ هَذَا الْجَائِزَ وَاقِعًا وَقَدْ وُجِدَ (وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ) الثَّابِتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ النَّفْلِ (فَوَجَبَ الْإِتْمَامُ فَلَزِمَ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَالرُّخْصَةِ) أَيْ وَقُسِّمَتْ (إلَى مَا ذَكَرَ) أَيْ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَتَمُّ فِي مَعْنَى الرُّخْصَةِ وَالْآخَرُ مُقَابِلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ التَّقْسِيمِ (وَ) إلَى (مَا وَضَعَ عَنَّا مِنْ إصْرٍ) أَيْ حُكْمٍ مُغَلَّظٍ شَاقٍّ (كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا) مِنْ بَعْضِ الْأُمَمِ (فَلَمْ يُشْرَعْ عِنْدَنَا) أَيْ فِي مِلَّتِنَا أَصْلًا تَكْرِيمًا لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَحْمَةً لَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>