للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (زِيَادَةُ قَيْدٍ) عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهَا مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ لِمَا فِي تِلْكَ مِنْ الْمُشَاحَّةِ اللَّفْظِيَّةِ بِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَجِبْ فَكَيْفَ يَسْقُطُ وَأَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْعَضُدِ إنَّهَا دَفْعُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ صِفَةُ الْفِعْلِ وَالدَّفْعَ صِفَةُ الْمُكَلَّفِ فَغَيَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِمَا يُطَابِقُ الْحَالَ وَهُوَ انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ (فَصَلَاةُ ظَانِّ الطَّهَارَةِ مَعَ عَدَمِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (صَحِيحَةٌ وَمُجْزِئَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ عَلَى ظَنِّهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا بِقَدْرِ وُسْعِهِ (لَا الثَّانِي) أَيْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ لَهَا (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ) أَيْ عَدَمِ الطَّهَارَةِ (غَيْرَ أَنَّ الْإِجْزَاءَ لَا يُوصَفُ بِهِ وَبِعَدَمِهِ إلَّا مُحْتَمَلُهُمَا) أَيْ الْإِجْزَاءُ بِأَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَدٍّ بِهِ شَرْعًا لِكَوْنِهِ مُسْتَجْمِعًا لِلشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَعَدَمُهُ بِأَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ (مِنْ الْعِبَادَاتِ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ (بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ) لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُمَا فَإِنَّهُ إنْ عَرَّفَهُ تَعَالَى بِطَرِيقٍ مَا فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُهُ فَلَا يُقَالُ عَرَفَهُ مَعْرِفَةً غَيْرَ مُجْزِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَا عَرَفَهُ بَلْ الْوَاقِعُ جَهْلٌ لَا مَعْرِفَةٌ (وَقِيلَ يُوصَفُ بِهِمَا) أَيْ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ أَيْضًا مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهَيْنِ وَهُوَ (رَدُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمِلْكِ) حَالَ كَوْنِهِ (مَحْجُورًا) لِسَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ (وَغَيْرَ مَحْجُورٍ) فَيُوصَفُ الْأَوَّلُ بِالْإِجْزَاءِ وَالثَّانِي بِعَدَمِهِ (وَدَفَعَ) وَالدَّافِعُ الْإِسْنَوِيُّ (بِأَنَّهُ) أَيْ رَدَّهَا إلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (لَيْسَ تَسْلِيمًا لِمُسْتَحِقِّ التَّسْلِيمِ) بِخِلَافِ رَدِّهَا إلَى غَيْرِ الْمَحْجُورِ فَلَا يَكُونُ مِنْ مِثْلِ مَا يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ بَلْ مِنْ مِثْلِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَذْكُرُ مِنْهُ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَحْصُولِ وَالتَّحْصِيلِ وَالْمِنْهَاجِ.

وَيَظْهَرُ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمَالِكِ الْمَحْجُورِ لَيْسَ رَدًّا غَيْرَ مُجْزٍ فَيَكُونُ الرَّدُّ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِمَّا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ مُجْزِيًا وَغَيْرَ مُجْزٍ فَالْوَجْهُ حَذْفُهُ مِنْ مِثْلِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَمَا حَذَفَهُ فِي الْحَاصِلِ (ثُمَّ قِيلَ مُقْتَضَى) كَلَامِ (الْفُقَهَاءِ) أَنَّ الْإِجْزَاءَ (لَا يَخْتَصُّ بِالْوَاجِبِ فَفِي حَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ) عَنْ «أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً قَبْلَ الصَّلَاةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا تُجْزِي عَنْك قَالَ عِنْدِي جَذَعَةٌ مِنْ الْمَعْزِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُجْزِي إلَى آخِرِهِ أَيْ عَنْك وَلَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ (وَنَظَرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ) مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى مَا قَالَ «لَا تُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» عَلَى وُجُوبِهَا) أَيْ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى الْوُجُوبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ خَاصٌّ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ الْوُجُوبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(وَقَالُوا هُوَ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِهَا (أَدَلُّ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ مِنْ لَفْظِهِمَا عَلَى وُجُوبِهَا وَهُوَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى النَّسَبِ لَا عَلَى نَفْيِ الْخَبَرِ وَالْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْجَارِ مَحْذُوفٌ فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ صَحِيحَةً فَيُوَافِقُ مَطْلُوبَهُمْ أَوْ كَامِلَةً فَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْزِي عَنْهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) النَّظَرُ (يُحَوِّلُ الدَّلِيلَ) الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ يُوصَفُ بِهِ الْمَنْدُوبُ (اعْتِرَاضًا عَلَيْهِمْ) يَعْنِي قَوْلَكُمْ أَنَّهُ يَخُصُّ الْوَاجِبَ حَتَّى جَعَلْتُمْ حَدِيثَ «لَا تُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» وَحَدِيثَ فَإِنَّهَا تُجْزِي دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ يَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْأُضْحِيَّةِ نَقْضًا تَقْرِيرُهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُجْزِي إلَى آخِرِهِ (وَالصِّحَّةُ عَمَّتْهُمَا) أَيْ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ (كَالْفَسَادِ) فِي عُمُومِهِ لَهُمَا (وَهُوَ) أَيْ الْفَسَادُ (الْبُطْلَانُ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (وَالْحَنَفِيَّةُ كَذَلِكَ) أَيْ يَقُولُونَ بِأَنَّ الْفَسَادَ مُرَادِفٌ لِلْبُطْلَانِ (فِي الْعِبَادَاتِ بِفَوَاتِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ) فَالْفَاسِدَةُ هِيَ الْبَاطِلَةُ وَهِيَ مَا فَاتَ فِيهَا رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ (وَقَدَّمْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي النَّهْيِ) وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ إنْ نَافَى حُكْمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>