للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمَ الْفِعْلِ بَطَلَ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُرَادَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ هُنَاكَ هُوَ حُصُولُ ثَوَابِهِ تَعَالَى وَانْدِفَاعُ عِقَابِهِ فَحَكَمَ بِأَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ تَحْرِيمًا يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ دُونَ الْمُعَامَلَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْأُخْرَوِيَّ الْعِقَابُ الْمُنَافِي لِحُكْمِ الْعِبَادَةِ أَيْ أَثَرِهَا فَحَكَمَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِمْ فِي صِحَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ لَوْ صَامَهُ وَحُكْمُ الْمُعَامَلَةِ ثُبُوتُ مِلْكِ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ وَيَثْبُتُ مَعَ الْحُرْمَةِ ذَلِكَ فَجَعَلَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ أُخْرَوِيًّا وَمِنْ الْمُعَامَلَةِ دُنْيَوِيًّا.

(وَفِي الْمُعَامَلَةِ) قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ (كَوْنُهَا تَرَتَّبَ أَثَرُهَا) وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا حَالَ كَوْنِهَا (مَطْلُوبَةَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا الْفَسَادُ وَغَيْرَ مَطْلُوبَةٍ) التَّفَاسُخَ شَرْعًا (الصِّحَّةُ وَعَدَمُهُ) أَيْ تَرَتُّبِ أَثَرِهَا عَلَيْهَا (الْبُطْلَانُ) ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَكَذَا (لِثُبُوتِ التَّرَتُّبِ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّهْيِ فَفَرْقٌ) بَيْنَ مُسَمَّيَاتِ أَفْرَادِ الْمُعَامَلَةِ (بِالْأَسْمَاءِ) الْمَذْكُورَةِ، وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُسَمَّيَاتِهَا ظَاهِرٌ أَمَّا بَيْنَ الصَّحِيحِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلِأَنَّهُ مُوَصِّلٌ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ مِنْ دَفْعِ الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَعَ سَلَامَةِ الدِّينِ. وَأَمَّا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فَلِأَنَّهُ يُقَالُ لُؤْلُؤَةٌ فَاسِدَةٌ إذَا بَقِيَ أَصْلُهَا وَذَهَبَ لَمَعَانُهَا وَبَيَاضُهَا وَلَحْمٌ فَاسِدٌ إذَا أَنْتَنَ وَلَكِنْ بَقِيَ صَالِحًا لِلْغِذَاءِ. وَأَمَّا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَيُقَالُ لَحْمٌ بَاطِلٌ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْغِذَاءِ (وَاسْتِدْلَالُ مَانِعِي اتِّصَافِ الْمَنْدُوبِ بِالْإِجْزَاءِ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (بِمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ) مِنْ الْحَدِيثِ الْمَاضِي (قَدْ يُمْنَعُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ) أَيْ الِاسْتِنْجَاءَ (مَنْدُوبٌ) عِنْدَهُمْ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْخَارِجُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ (كَاسْتِدْلَالِ الْمُعَمَّمِينَ) أَيْ كَمَا يَمْنَعُ اسْتِدْلَالُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ (بِمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ) أَيْ بِحَدِيثِهَا فَقَطْ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ (وَاجِبَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَلَا يَضُرُّهُمْ) أَيْ مَانِعِي اتِّصَافِ الْمَنْدُوبِ بِالْإِجْزَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (مَا فِي الْفَاتِحَةِ) مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ التَّعْمِيمُ) أَيْ تَعْمِيمُ اتِّصَافِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِهِ (لِحَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ) وَحَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَالصِّحَّةُ عَمَّتْهُمَا.

(ثُمَّ قَدْ يُظَنُّ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْوَضِيعَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ) الظَّنَّ (إذْ كَوْنُ الْمَفْعُولِ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لَهُ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ (أَوْ) كَوْنُهُ (مُخَالِفًا) لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لَهُ كَمَا هُوَ مَعْنَى عَدَمِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمْ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَفْعُولِ (تَمَامَ مَا طَلَبَ حَتَّى يَكُونَ مُسْقِطًا أَيْ دَافِعًا لِوُجُوبِ قَضَائِهِ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَفْسِيرِ إسْقَاطِ الْوُجُوبِ بِدَفْعِهِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ وَكَوْنُ الْمَفْعُولِ عَدَمَ تَمَامِ الْمَطْلُوبِ كَمَا هُوَ مَعْنَى عَدَمِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ كَوْنُ الْمَفْعُولِ إلَخْ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ (يَكْفِي فِي مَعْرِفَتِهِ الْعَقْلُ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَوْقِيفِ الشَّرْعِ) عَلَى ذَلِكَ (كَكَوْنِهِ) أَيْ كَمَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ (مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ وَتَارِكًا) لَهَا بِالْعَقْلِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ (فَحُكْمُنَا بِهِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ (عَقْلِيٌّ صِرْفٌ) أَيْ خَالِصٌ هَذَا مَا قَرَّرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ شَرْحًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَأَمَّا الصِّحَّةُ وَالْبُطْلَانُ أَوْ الْحُكْمُ بِهِمَا فَأَمْرٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا كَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ وَإِمَّا مُوَافَقَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ، وَالْبُطْلَانُ وَالْفَسَادُ نَقِيضُهَا، قَالُوا: وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقَاضِي بِالْعِبَادَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ فِي الْمُعَامَلَاتِ إذْ لَا يُسْتَرَابُ فِي أَنَّ كَوْنَ الْمُعَامَلَاتِ مُسْتَتْبَعَةً لِثَمَرَاتِهَا الْمَطْلُوبَةِ مِنْهَا مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ فَلَمْ تُذْكَرْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ وَهُوَ إنْكَارُ كَوْنِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا بِخِلَافِهِمَا فِي الْعِبَادَاتِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ) الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ عَلَى الْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ (وَضْعِيٌّ) لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ وُرُودَ أَمْرِ الشَّارِعِ بِالصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهَا صَحِيحَةً وَغَيْرَ صَحِيحَةٍ بِمَعْنَى كَوْنِهَا مُنْدَفِعًا عَنْهَا الْقَضَاءُ وَغَيْرَ مُنْدَفِعٍ إلَى تَوْقِيفٍ لِلشَّارِعِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ الْمُقِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ الْوُضُوءِ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُهَا يُسْقِطُهُ كَصَلَاةِ الْمُسَافِرِ الْمُتَيَمِّمِ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>