للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ الْبَسَاطَةُ أَوْ فِي النَّارِ مِنْ حَيْثُ التَّسْخِينُ فَإِنَّ الْبَسَاطَةَ وَالتَّسْخِينَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنْ يُنْتَقَلَ بِهِمَا إلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَالدُّخَانِ وَلَكِنْ يُؤَدِّي إلَى وُجُودِهِمَا مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَالَمَ بَسِيطٌ وَكُلُّ بَسِيطٍ لَهُ صَانِعٌ، وَمِمَّنْ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مُسَخَّنٍ لَهُ دُخَانٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْفَاسِدَ قَدْ يُمْكِنُ بِهِ التَّوَصُّلُ إلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ: وَالْحُكْمُ بِكَوْنِ الْإِفْضَاءِ فِي الْفَاسِدِ اتِّفَاقِيًّا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْكَوَاذِبِ ارْتِبَاطٌ عَقْلِيٌّ يَصِيرُ بِهِ بَعْضُهَا وَسِيلَةً إلَى الْبَعْضِ أَوْ يَخُصُّ بِفَسَادِ الصُّورَةِ أَوْ بِوَضْعِ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ مَكَانَهُ وَأُرِيدَ بِالنَّظَرِ فِيهِ مَا يَتَنَاوَلُ النَّظَرَ فِيهِ نَفْسُهُ، وَفِي صِفَاتِهِ، وَأَحْوَالِهِ فَيَشْمَلُ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي هِيَ بِحَيْثُ إذَا رُتِّبَتْ أَدَّتْ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ وَالْمُفْرَدِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ فِي أَحْوَالِهِ أَوْصَلَ إلَيْهِ كَالْعَالَمِ وَحَيْثُ أُرِيدَ بِالْإِمْكَانِ الْمَعْنَى الْعَامَّ الْمُجَامِعَ لِلْفِعْلِ وَالْوُجُوبَ انْدَرَجَ فِي الْحَدِّ الْمُقَدِّمَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ وَحْدَهَا. وَأَمَّا إذَا أُخِذَتْ مَعَ التَّرْتِيبِ فَيَسْتَحِيلُ النَّظَرُ فِيهَا إذْ لَا مَعْنَى لِلنَّظَرِ وَحَرَكَةِ النَّفْسِ فِي الْأُمُورِ الْحَاضِرَةِ الْمُرَتَّبَةِ، وَقَوْلُهُ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ احْتِرَازٌ مِمَّا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى مَطْلُوبٍ تَصَوُّرِيٍّ، وَهُوَ الْقَوْلُ الشَّارِحُ حَدًّا وَرَسْمًا تَامَّيْنِ وَنَاقِصَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ اصْطِلَاحًا ثُمَّ حَيْثُ أَطْلَقَ التَّوَصُّلَ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ شَمَلَ مَا كَانَ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ، وَمَا كَانَ بِطَرِيقِ الظَّنِّ وَانْطَبَقَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ كَالْعَالَمِ الْمُوصِلِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِي أَحْوَالِهِ إلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَالْغَيْمِ الرَّطْبِ الْمُوصِلِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِي حَالِهِ إلَى ظَنِّ وُقُوعِ الْمَطَرِ، وَقَدْ يَخُصُّ الدَّلِيلَ بِالْقَطْعِيِّ فَيُقَالُ إلَى الْعِلْمِ بِمَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ وَيُسَمَّى الظَّنُّ حِينَئِذٍ أَمَارَةُ هَذَا، وَقَدْ تَعَقَّبَ شَارِحُ الْعَقَائِدِ هَذَا التَّعْرِيفَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى نَفْسِ الْمَدْلُولِ؛ وَلِأَنَّ اسْتِعْمَالَ " يُمْكِنُ " مُفْسِدٌ إذْ الْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ إمَّا عَامٌّ فَيَكُونُ مَفْهُومُ التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ الدَّلِيلَ هُوَ الَّذِي بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ سَلْبُ التَّوَصُّلَ إلَى الْعِلْمِ بِمَطْلُوبٍ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ أَوْ خَاصٍّ فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ سَلْبَ التَّوَصُّلِ عَنْهُ وَإِثْبَاتَهُ لَهُ لَيْسَا بِضَرُورِيِّينَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ دَلِيلًا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ شِئْت لِصِدْقِ هَذَا الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لَكِنْ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَنْسُوبِينَ إلَى التَّحْقِيقِ ثُمَّ قَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِعَوْنِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي حَدِّ الدَّلِيلِ هُنَا هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ التَّصْدِيقُ اهـ. وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - يَقُولُ التَّعَقُّبُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ بِصِدْقِهِ عَلَى الْمَدْلُولِ وَارِدٌ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُقُ عَلَى الْمَدْلُولِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ التَّصْدِيقُ فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابُهُمْ ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّجَهٍ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ وَالْمَدْلُولَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَالتَّعْرِيفِ لَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ، وَإِذَنْ لَا نُسَلِّمُ صِدْقَ التَّعْرِيفِ لِلدَّلِيلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَدْلُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَدْلُولٌ نَعَمْ الْوَجْهُ ذِكْرُ اللُّزُومِ لَا الْإِمْكَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِمْكَانَ الْخَاصَّ أَوْ الْعَامَّ، وَإِنْ أَمْكَنَ التَّمَحُّلُ لِتَوْجِيهِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي عُدُولًا عَمَّا هُوَ كَالْفَصْلِ الْقَرِيبِ إلَى مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَرَضِ الْعَامِّ، وَأَمَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْإِمْكَانِ بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ دَلِيلًا عَلَى مَا أَرَادَ النَّاظِرُ فَغَيْرُ لَازِمٍ قَطْعًا بَلْ هُوَ إسْرَافٌ ظَاهِرٌ وَغُلُوٌّ مَرْدُودٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(فَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ اصْطِلَاحًا شَرْعِيًّا (مُفْرَدٌ) بِالْمَعْنَى الَّذِي يُقَابِلُ الْجُمْلَةَ (قَدْ يَكُونُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوبِ كَالْعَالَمِ) فِي الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا الْعَالَمُ حَادِثٌ حَتَّى أَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِهِ إلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ بِقَوْلِنَا الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ، وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٌ (أَوْ الْوَسَطُ وَلَوْ مَعْنَى فِي السَّمْعِيَّاتِ) أَيْ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ فِي إثْبَاتِ الْمَطَالِبِ الْخَبَرِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَلَوْ كَانَ كَوْنُهُ الْحَدَّ الْأَوْسَطَ فِيهِ دَلِيلًا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ. (وَمِنْهُ) أَيْ الدَّلِيلُ الْمُفْرَدُ (نَحْوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ) فَإِنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِالنَّظَرِ فِيهِ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ هُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ بِأَنْ يُقَالَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ بِإِقَامَتِهَا وَالْأَمْرُ بِإِقَامَتِهَا يُفِيدُ وُجُوبَهَا فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ يُفِيدُ وُجُوبَهَا، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ آتَوْا الزَّكَاةَ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>