للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ نَحْوَ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ كَوْنُ الدَّلِيلِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ مُفْرَدًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوبِ وَبِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى مُفْرَدًا حَدًّا وَسَطًا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُفْرَدًا لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ لَفْظًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لَيْسَ بِمُفْرَدٍ مَعْنًى فَهُوَ مُفْرَدٌ لَفْظًا، وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً فِي الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ إذَا أُرِيدَ بِهَا اللَّفْظُ كَانَتْ مُفْرَدًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِإِقَامَتِهَا عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنَى أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ بِإِقَامَتِهَا لَيْسَ بِجُمْلَةٍ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ الدَّلِيلُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ مَا يُجْعَلُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِي صُغْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَصْغَرُ (ذِكْرُ كُلٍّ) مِنْ هَذَيْنِ أَنَّهُ دَلِيلٌ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ أَنَّ الدَّلِيلَ اصْطِلَاحًا يَشْمَلُ الْمُفْرَدَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ فِي أَحْوَالِهِ أَوْصَلَ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ وَالْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي بِحَيْثُ إذَا رُتِّبَتْ أَدَّتْ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ وَالْمُقَدِّمَاتِ الْمُرَتَّبَةِ وَحْدَهَا (إلَّا أَنَّ مَنْ أَفْرَدَ) أَيْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الدَّلِيلَ مُفْرَدٌ (وَأَدْخَلَ الِاسْتِدْلَالَ فِي مُسَمَّى الدَّلِيلِ) كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا مِنْ أَقْسَامِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ الِاسْتِدْلَالَ زِيَادَةً عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ فَهُوَ (ذَاهِلٌ) ؛ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ لَازِمٌ فِي التَّلَازُمِ، وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ حَاصِلَهُ عَلَى مَا سَتَعْلَمُ تَرْكِيبٌ اقْتِرَانِيٌّ أَوْ اسْتِثْنَائِيٌّ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ مُرَكَّبٌ فَبَعْضُ الدَّلِيلِ حِينَئِذٍ مُرَكَّبٌ، وَقَدْ كَانَ كُلُّهُ مُفْرَدًا.

(وَعِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ) الدَّلِيلُ (مَجْمُوعُ الْمَادَّةِ وَالنَّظَرِ فَهُوَ الْأَقْوَالُ الْمُسْتَلْزِمَةُ) قَوْلًا آخَرَ وَحَذَفَهُ لِلِاعْتِمَادِ عَلَى شُهْرَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَقْوَالِ مَا فَوْقَ قَوْلٍ وَاحِدٍ وَبِالْقَوْلِ الْمُرَكَّبِ التَّامُّ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمَعْقُولُ إنْ كَانَ الدَّلِيلُ مَعْقُولًا وَالْمَلْفُوظُ إنْ كَانَ الدَّلِيلُ مَلْفُوظًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عِنْدَهُمْ كَالْقَوْلِ، وَالْقَضِيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الْمَعْقُولِ وَالْمَسْمُوعِ اشْتِرَاكًا أَوْ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَبِالِاسْتِلْزَامِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنًا أَوْ غَيْرَ بَيْنٍ ذَاتِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَبِالْقَوْلِ الْآخَرِ الْمَعْقُولُ؛ لِأَنَّ الْمَسْمُوعَ أَعْنِي التَّلَفُّظَ بِالنَّتِيجَةِ غَيْرُ لَازِمٍ لَا لِلْمَعْقُولِ وَلَا لِلْمَسْمُوعِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُغَايِرُ كُلًّا مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ كُلُّ قَضِيَّتَيْنِ وَلَوْ مُتَبَايِنَتَيْنِ دَلِيلًا لِاسْتِلْزَامِ مَجْمُوعِهِمَا كُلًّا مِنْهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَخْرُجُ الْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِذَاتِهَا عَكْسَهَا الْمُسْتَوِي، وَعَكْسَ نَقِيضِهَا وَالْقَوْلَانِ فَصَاعِدًا مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ التَّقْيِيدِيَّةِ أَوْ مِنْهَا وَمِنْ التَّامَّةِ، وَقَوْلَانِ مِنْ التَّامَّةِ إذَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي حَدٍّ أَوْسَطَ وَيَدْخُلُ الْقِيَاسُ الْكَامِلُ وَغَيْرُهُ وَالْبَسِيطُ وَالْمُرَكَّبُ وَالْقَطْعِيُّ وَالظَّنِّيُّ الَّذِي هُوَ الْإِمَارَةُ (وَلَا تَخْرُجُ الْأَمَارَةُ وَلَوْ يُزَادُ لِنَفْسِهَا) بَعْدَ الْمُسْتَلْزِمَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْأَمَارَةَ وَإِنْ لَمْ تَسْتَلْزِمْ ثُبُوتَ الْمَدْلُولِ لَا تَخْرُجُ بِقَيْدِ الِاسْتِلْزَامِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُقَدِّمَتَانِ. فَوُجُودُ الْقَاضِي فِي الْمَنْزِلِ مَثَلًا، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ قِيَامِ بَغْلَتِهِ مَشْدُودَةً عَلَى بَابِهِ لَكِنْ يَلْزَمُ ظَنُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْت إنْ كَانَتْ بَغْلَةُ الْقَاضِي عَلَى بَابِهِ فَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ لَكِنَّهَا عَلَى بَابِهِ يَلْزَمُ قَطْعًا فَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ الَّتِي هِيَ الدَّلِيلُ ظَنٌّ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الظَّنُّ قَطْعًا بِالظَّنِّ بِالْمَطْلُوبِ.

ثُمَّ مَنْ زَادَ لِنَفْسِهَا لَمْ يَزِدْهُ لِإِخْرَاجِهَا (بَلْ لِيُخْرِجَ قِيَاسَ الْمُسَاوَاةِ) ، وَهُوَ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ مُتَعَلَّقٌ مَحْمُولٌ أَوَّلَاهُمَا مَوْضُوعُ الْأُخْرَى كَ (ا) مُسَاوٍ لِ (ج) وَ (ج) مُسَاوٍ لِ (ب) فَإِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ (ا) مُسَاوٍ لِ (بِ) لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ كَمَا قَالَ (لِأَنَّهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِلْزَامَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ أَجَنِيبَةٍ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مُسَاوٍ لَلْمُسَاوِي لِلشَّيْءِ مُسَاوٍ لِذَلِكَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِلْزَامُ حَيْثُ تَصْدُقُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ حَيْثُ لَا تَصْدُقُ كَمَا فِي (ا) مُبَايِنٌ لِ (ب) وَ (ب) مُبَايِنٌ لِ (ج) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ (ا) مُبَايِنٌ لِ (ج) ؛ لِأَنَّ مُبَايِنَ الْمُبَايِنِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا (وَلَا حَاجَةَ) إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِإِخْرَاجِ هَذَا الْقِيَاسِ مِنْ الدَّلِيلِ (لِأَعَمِّيَّتِهِ) أَيْ الْمُسْتَلْزِمِ مَا كَانَ بِنَفْسِهِ، وَمَا كَانَ بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ (فَيَدْخُلُ) قِيَاسُ الْمُسَاوَاةِ فِي الدَّلِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَكُونُ الْمُقَدِّمَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ جُزْءَ الدَّلِيلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُزْءَ قِيَاسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>