وَيُجْعَلُ الدَّلِيلُ أَعَمَّ مِنْ الْقِيَاسِ وَكَشَفَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي مَلْزُومِيَّةِ الْعِلْمِ الثَّالِثِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمُقَدِّمَاتِ الثَّلَاثِ الْمُقَدِّمَتَانِ اللَّتَانِ هُمَا صُورَةُ الشَّكْلِ وَالْأَجْنَبِيَّةُ فَحِينَئِذٍ الدَّلِيلُ تَارَةً يَقُومُ بِمُقَدِّمَتَيْنِ وَتَارَةً بِثَلَاثٍ وَتَارَةً بِأَكْثَرَ كَمَا فِي الْأَقْيِسَةِ الْمُرَكَّبَةِ.
ثُمَّ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مَتَى سَلِمَتْ لَزِمَ عَنْهَا قَوْلٌ آخَرُ فَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَا) حَاجَةَ (لِقَيْدِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ قَيْدَ التَّسْلِيمِ (لِدَفْعِ الْمَنْعِ) عَنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ الْقِيَاسُ (لَا) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ (لِلِاسْتِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِلْزَامَ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ لَازِمٌ (لِلصُّورَةِ) أَلْبَتَّةَ ثُمَّ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَتَسْتَلْزِمُ) الصُّورَةُ الْقَوْلَ الْآخَرَ (دَائِمًا عَلَى نَحْوِهَا) مِنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ فَإِنْ كَانَتْ الْأَقْوَالُ قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ اسْتَلْزَمَتْ قَطْعِيًّا، وَإِنْ كَانَتْ ظَنِّيَّةً اسْتَلْزَمَتْ ظَنِّيًّا، وَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً أَنْتَجَتْ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً أُنْتِجَتْ كَاذِبًا، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ الْمُتَقَدِّمُونَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الِاسْتِلْزَامِ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَحَقُّقَ اللُّزُومِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْمَلْزُومِ وَلَا اللَّازِمِ، أَوْ لَا يَرَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ الْعَالَمُ قَدِيمٌ وَكُلُّ قَدِيمٍ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْمُؤَثِّرِ يَسْتَلْزِمُ الْعَالَمَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْمُؤَثِّرِ إذْ لَوْ تَحَقَّقَ الْأَوَّلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَحَقَّقَ الثَّانِي قَطْعًا، وَهُوَ مَعْنَى الِاسْتِلْزَامِ وَلَا تَحَقُّقَ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا، وَأَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ قِيَاسٌ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُقَدِّمَاتُهُ صَادِقَةً مُسَلَّمَةً فَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهِ خُرُوجُ الْقِيَاسِ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ كَاذِبَةٌ وَلَا أَنَّ تِلْكَ الْقَضَايَا مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْوَاقِعِ، وَأَنَّ اللَّازِمَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ أَيْضًا (وَلَزِمَ) مِنْ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ النَّظَرِ (سَبْقُ الشُّعُورِ بِالْمَطْلُوبِ) التَّصْدِيقِيِّ النَّظَرِيِّ لِلنَّاظِرِ قَبْلَ النَّظَرِ الْمُسْتَلْزِمِ لِحُصُولِهِ ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ طَلَبِ الْمَجْهُولِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَذَلِكَ (كَطَرَفَيْ الْقَضِيَّةِ وَكَيْفِيَّتَيْ الْحُكْمِ) أَيْ كَتَصَوُّرِ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ اللَّذَيْنِ هُمَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَالْمَحْكُومُ بِهِ وَالنِّسْبَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا الصَّالِحَةُ مَوْرِدًا لِلْحُكْمِ وَصِفَتِهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ تَصَوُّرًا سَاذَجًا. (وَالتَّرَدُّدُ فِي ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَتَرَدُّدُ النَّاظِرِ إنَّمَا هُوَ كَائِنٌ فِي ثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ (عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّتَيْهِ) مِنْ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ بِعَيْنِهَا فَهُوَ سَاعٍ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ التَّصْدِيقِيَّ مَعْلُومٌ بِاعْتِبَارِ التَّصَوُّرِ الَّذِي بِهِ يَتَمَيَّزُ عَمَّا عَدَاهُ مَجْهُولٌ بِاعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ بِحَسَبِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ طَلَبُ مَا لَا شُعُورَ بِهِ أَصْلًا وَلَا طَلَبُ مَا هُوَ حَاصِلُ وَلَا عَدَمُ مَعْرِفَةِ أَنَّهُ الْمَطْلُوبُ إذَا حَصَلَ وَلَمَّا أَوْرَدَ عَلَى التَّصَوُّرِ مِثْلَ هَذَا كَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيّ امْتِنَاعُ اكْتِسَابِ التَّطَوُّرَاتِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ التَّصَوُّرَيَّ يَمْتَنِعُ طَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَشْعُورٌ بِهِ مُطْلَقًا فَهُوَ حَاصِلٌ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ أَوْ لَيْسَ بِمَشْعُورٍ بِهِ مُطْلَقًا فَطَلَبُهُ مُحَالٌ أَيْضًا لِاسْتِحَالَةِ طَلَبِ مَا هُوَ كَذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ قُطْبِ الدِّينِ شَارِحِ الْمَطَالِعِ أَنَّ هَذَا لَا يُرَادُ إنَّمَا وَقَعَ أَوَّلًا عَلَى الْمَطَالِبِ التَّصَوُّرِيَّةِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَوْرَدَهُ مَاتِنُ مُخَاطِبًا بِهِ سُقْرَاطَ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّقْسِيمَ غَيْرُ حَاصِرٍ بَلْ هُنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ وَجْهٍ مَجْهُولٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَطْلُبُ مِنْ الْوَجْهِ الْمَعْلُومِ الْوَجْهَ الْمَجْهُولَ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ اسْتِطْرَادًا فَقَالَ (وَالْمَحْدُودُ مَعْلُومٌ) لِلطَّالِبِ (مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسَمًّى) لِلَفْظٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَهُ مَجْهُولٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْحَقِيقَةُ (فَيَطْلُبُ) مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي هُوَ بِهَا مَعْلُومٌ حَقِيقَتَهُ الْمَجْهُولَةِ، وَهِيَ (أَنَّهُ أَيْ مَادَّةٌ مُرَكَّبَةٌ) مِنْ الْمَوَادِّ الْمُرَكَّبَةِ لِيَتَصَوَّرَ أَجْزَاءَهُ مُتَمَيِّزَةً عَنْ غَيْرِهَا وَيُرَتِّبُهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي فَيَتَّضِحُ الْمَحْدُودُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُمَيِّزُ أَجْزَاءَ الْمَحْدُودِ أَوْ الْمَحْدُودُ مَعْلُومٌ لِلطَّالِبِ بِسَبَبِ الْعِلْمِ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ أَوْ الْعَرَضِيَّةِ مَجْهُولٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْحَقِيقَةُ فَيَطْلُبُ مَا هُوَ مَجْهُولٌ لَهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَعْلُومٌ لَهُ لِيَصِيرَ الْمَجْهُولُ لَهُ مَعْلُومًا أَيْضًا فَالْوَجْهُ الْمَجْهُولُ، وَهُوَ الذَّاتُ هُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْوَجْهُ الْمَعْلُومُ، وَهُوَ بَعْضُ الصِّفَاتِ أَوْ الِاعْتِبَارَاتِ، وَلَوْ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ مُسَمَّى لَفْظٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ فَلَمْ يَلْزَمْ طَلَبُ الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا وَلَا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
وَإِنَّمَا قَالَ أَيُّ مَادَّةٍ مُرَكَّبَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَسِيطَ لَا يُكْتَسَبُ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ كَمَا عَرَفْت يُمَيِّزُ أَجْزَاءَ الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى مَعْنَاهُ لَا تَعَدُّدَ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute