وَالْبَسِيطُ لَا أَجْزَاءَ لَهُ فَيَنْتَفِي تَمَيُّزُهَا.
فَإِنْ قِيلَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكْتَسِبَ حَقِيقَةَ الْبَسِيطِ الْمَجْهُولَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ بِالنَّظَرِ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ إلَى الْمَبْدَأِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى بَسِيطٌ يَسْتَلْزِمُ الِانْتِقَالَ إلَى الْمَطْلُوبِ فَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْعِ قَائِلًا (وَتَجْوِيزُ الِانْتِقَالِ إلَى بَسِيطٍ يَلْزَمُهُ الْمَطْلُوبُ لَيْسَ بِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْعُلُومِ (وَلَوْ كَانَ) الِانْتِقَالُ الْمَذْكُورُ (بِالْقَصْدِ إذْ لَيْسَ النَّظَرُ) بِالْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ فِي الْعُلُومِ (الْحَرَكَةَ الْأُولَى) يَعْنِي الْحَرَكَةَ مِنْ الْمَطَالِبِ إلَى الْمَبَادِئِ، وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَيْضًا بَلْ النَّظَرُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعُلُومِ حَرَكَةُ النَّفْسِ مِنْ الْمَطَالِبِ إلَى الْمَبَادِئِ، وَالرُّجُوعُ عَنْهَا إلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ غَايَتُهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ تَعْرِيفٌ لِلنَّظَرِ الْخَاصِّ بِالتَّصْدِيقِ، وَهَذَا يَعُمُّ النَّظَرَ فِيهِ، وَفِي التَّصَوُّرِ فَهُوَ مَجْمُوعُ الْحَرَكَتَيْنِ ثُمَّ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَ تَعْلِيلِ نَفْيِ كَوْنِ النَّظَرِ الْحَرَكَةَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ (إذْ لَا تَسْتَلْزِمُ) الْحَرَكَةُ الْأُولَى الْحَرَكَةَ (الثَّانِيَةَ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ) يَعْنِي فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الْأُولَى (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الثَّانِيَةِ تَسْتَلْزِمُ الْأُولَى فَيُسْتَغْنَى بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا عَنْ ذِكْرِ الْأُولَى مَعَهَا (وَقَعَ التَّعْرِيفُ بِهَا) أَيْ بِالثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأُولَى مَعَهَا بِنَاءً عَلَى اسْتِلْزَامِهَا إيَّاهَا (كَتَرْتِيبِ أُمُورٍ إلَخْ) أَيْ مَعْلُومَةٍ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى اسْتِعْلَامِ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الطَّوَالِعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَرَكَتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ الْأُخْرَى حَتَّى قَالَ الْمُحَقِّقُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: وَكَثِيرًا مَا يُقْتَصَرُ فِي تَفْسِيرِ النَّظَرِ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ أَوْ لَوَازِمِهِ اكْتِفَاءً بِمَا يُفِيدُ امْتِيَازُهُ أَوْ اصْطِلَاحًا عَلَى ذَلِكَ فَيُقَالُ هُوَ حَرَكَةُ الذِّهْنِ إلَى مَبَادِئِ الْمَطْلُوبِ أَوْ حَرَكَتُهُ عَنْ الْمَبَادِئِ إلَى الْمَطَالِبِ أَوْ تَرْتِيبِ الْمَعْلُومَاتِ لِلتَّأَدِّي إلَى مَجْهُولٍ اهـ.
ثُمَّ اسْتِلْزَامُ كُلٍّ مِنْ الْحَرَكَتَيْنِ لِلْأُخْرَى لَيْسَ دَائِمًا بَلْ أَكْثَرِيٌّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي اسْتِلْزَامِ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى وَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ فِي اسْتِلْزَامِ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ ثُمَّ التَّرْتِيبُ لَيْسَ هُوَ الْحَرَكَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمُهَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْفِكْرَ الْمُرَادِفَ لِلنَّظَرِ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ التَّرْتِيبُ الْحَاصِلُ مِنْ الْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الِانْتِقَالَانِ فَخَارِجَانِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ لَازِمٌ لَهُ قَطْعًا، وَالْأَوَّلَ لَازِمٌ أَكْثَرِيٌّ فَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمُدَّعِي أَنَّ النَّظَرَ مَجْمُوعُ الْحَرَكَتَيْنِ فَأَيُّ أَثَرٍ لِتَعْلِيلِ نَفْيِ كَوْنِ النَّظَرِ هُوَ الْحَرَكَةَ الْأُولَى فَقَطْ بِكَوْنِهَا غَيْرَ مُسْتَلْزِمَةٍ لِلثَّانِيَةِ سِوَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي تَعْرِيفِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ. وَمَعْلُومٌ أَنَّا لَسْنَا الْآنَ بِهَذَا الصَّدَدِ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَجْهَ حَذْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ الْبَيْنِ.
(وَقَدْ ظَهَرَ) مِنْ تَعْرِيفِ النَّظَرِ وَالدَّلِيلِ (أَنَّ فَسَادَ النَّظَرِ) بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا (بِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ) أَيْ بِعَدَمِ دَلَالَةِ مَا يَقَعُ فِيهِ النَّظَرُ عَلَى الْمَطْلُوبِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ لِلْمَطْلُوبِ (فَسَادُ الْمَادَّةِ) كَمَا إذَا جَعَلْت مَادَّةَ الْقِيَاسِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ إنْتَاجُ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ الْعَالَمُ بَسِيطٌ، وَكُلُّ بَسِيطٍ قَدِيمٌ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ كَاذِبَتَانِ مَعَ أَنَّ الْبَسَاطَةَ لَا يُنْتَقَلُ مِنْهَا إلَى الْقَدَمِ ثَانِيهمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَدَمُ ذَلِكَ الْوَجْهِ) أَيْ وَبِعَدَمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْمَطْلُوبِ، وَهُوَ فَسَادُ الصُّورَةِ كَأَنْ لَا يَقَعُ الْقِيَاسُ جَامِعًا لِشَرَائِطِ الْإِنْتَاجِ فَظَهَرَ قُصُورُ مَا فِي الْبَدِيعِ مِنْ قَوْلِهِ، وَمَا عَرَفْت جِهَةَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مَا يَعْرِفُ جِهَةَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَدْ لَا يَكُونُ صَحِيحًا لِفَقْدِ صُورَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْوَجْهُ الْمُسْتَلْزِمُ (جَعْلَ الْمَادَّةِ عَلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ فِي انْتِسَابِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَذَلِكَ) الْحَدُّ الْمُعَيَّنُ (طُرُقٌ) أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ مُلَازَمَةٌ بَيْنَ مَفْهُومَيْنِ ثُمَّ نَفْيُ اللَّازِمِ لِيَنْتَفِيَ الْمَلْزُومُ أَوْ إثْبَاتُ الْمَلْزُومِ لِيَثْبُتَ اللَّازِمُ) أَيْ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ الْقِيَاسُ الِاسْتِثْنَائِيُّ الْمُتَّصِلُ، وَهُوَ مُقَدِّمَتَانِ أَوَّلَاهُمَا شَرْطِيَّةٌ مُتَّصِلَةٌ مُوجَبَةٌ لُزُومِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ كُلِّيًّا أَوْ شَخْصِيَّةٌ حَالُهَا وَحَالُ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّحِدٌ تُفِيدُ تَلَازُمًا بَيْنَ مَفْهُومَيْ جُزْأَيْهَا اللَّذَيْنِ يُسَمَّى أَحَدُهُمَا الْمَلْزُومُ وَالشَّرْطُ وَالْمُقَدَّمُ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ اللَّازِمُ وَالْجَزَاءُ وَالتَّالِي، وَهُوَ الثَّانِي وَأُخْرَاهُمَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ تُفِيدُ نَفْيَ اللَّازِمِ لِيَنْتَفِيَ الْمَلْزُومَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْمَلْزُومِ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute