وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنَّ هَا هُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ مُرُوهُ فَلْيُوصِ لَهَا فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ فَبِعْت ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا وَقَدْ أَجَابَ الْمَشَايِخُ عَنْهُ بِمَا لَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَالْخَامِسُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ (كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالصَّدَقَةِ) وَالْهِبَةِ وَحُكْمُ هَذَا أَنَّهُ (لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَيْهِ وَالصِّبَا مَظِنَّةُ الرَّحْمَةِ وَالْإِشْفَاقِ لَا مَظِنَّةُ الْإِضْرَارِ وَاَللَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَلَمْ يُشَرِّعْ فِي حَقِّهِ الْمَضَارَّ (كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ وَقَاضٍ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إثْبَاتُهَا فِيمَا هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي حَقِّهِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فِي حَقِّهِ عَدَمَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا فَمَشْرُوعٌ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةُ السَّرَخْسِيُّ زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ حَتَّى إنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَهَذَا وَهْمٌ عِنْدِي فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الضَّرَرُ فِي الْإِيقَاعِ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى صِحَّةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ صَحِيحًا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَوْ أَثْبَتَنَا مِلْكَ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهِ كَانَ خَالِيًا عَنْ حُكْمِهِ وَهُوَ وِلَايَةُ الْإِيقَاعِ وَالسَّبَبُ الْخَالِي عَنْ حُكْمِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا كَبَيْعِ الْحُرِّ وَطَلَاقِ الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ خُلُوَّهُ عَنْ حُكْمِهِ إذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ حَتَّى إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَأَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَكَانَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِذَا وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا فَخَاصَمَتْهُ فِي ذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (إلَّا إقْرَاضَ الْقَاضِي فَقَطْ مِنْ الْمَلِيِّ) مَالَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ.
(لِأَنَّهُ) أَيْ إقْرَاضَهُ (حِفْظٌ) لَهُ (مَعَ قُدْرَةِ الِاقْتِضَاءِ بِعِلْمِهِ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى دَعْوَى وَبَيِّنَةٍ فَكَانَ بِهَذَا الشَّرْطِ نَظَرًا مِنْ الْقَاضِي لَهُ وَنَفْعًا (بِخِلَافِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فَلَا يَمْلِكُهُ (إلَّا فِي رِوَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فَيَمْلِكُهُ (كَاقْتِرَاضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَهْلِكُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ مَلِيًّا قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى (وَالسَّادِسُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فِيهِ احْتِمَالُ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ) فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ رَابِحًا وَالْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَهِيَ نَفْعٌ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ خَاسِرًا وَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَهِيَ ضَرَرٌ (وَتَعْلِيلُ النَّفْعِ بِدُخُولِ الْبَدَلِ فِي مِلْكِهِ وَالضَّرَرِ بِخُرُوجِ الْآخَرِ) كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (يُوجِبُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ) كَانَ ضَرَرًا وَنَفْعًا وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ (لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ قَطُّ وَذَكَرَ) الْمُعَلِّلُ الْمَذْكُورُ (أَنَّهُ يَنْدَفِعُ احْتِمَالُ الضَّرَرِ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ) كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ بَيَانُ تَرَدُّدِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهَا عَلَى دُخُولِ شَيْءٍ فِي الْمِلْكِ وَخُرُوجِ الْبَدَلِ عَنْ الْمِلْكِ فَبِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ انْدَفَعَ تَوَهُّمُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ إلَّا فِيمَا لَهُ فِيهِ نَفْعٌ غَالِبًا فَالْتَحَقَ بِمَا يَتَمَحَّضُ نَفْعًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِنَوْعِ عِنَايَةٍ عَلَى مَا فِيهَا (فَيَمْلِكُهُ) أَيْ الصَّبِيُّ هَذَا الْقِسْمَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ رَأْيِ الْوَلِيِّ لِانْدِفَاعِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّبِيَّ (أَهْلٌ لِحُكْمِهِ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفِ (إذْ يَمْلِكُ الْبَدَلَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَلِيُّ) أَيْ يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَالْأُجْرَةَ إذَا بَاعَ الْوَلِيُّ عَيْنًا مِنْ مَالِهِ أَوْ آجَرَهَا وَالْعَيْنُ إذَا اشْتَرَاهَا لَهُ.
(وَأَهْلٌ لَهُ) أَيْ لِهَذَا التَّصَرُّفِ (إذْ صَحَّتْ وَكَالَتُهُ بِهِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيهِ (وَفِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ هَذَا التَّصَرُّفِ لَهُ (نَفْعُ تَوْسِعَةِ طَرِيقِ تَحْصِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute