(مِنْ أَهْلِهَا وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا خِلَافًا) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (أَوْرَثَ شُبْهَةً فِيهِ) أَيْ الْقَتْلِ (وَالثَّالِثُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (كَالصَّلَاةِ وَأَخَوَاتِهَا) مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا وَحُسْنَهَا قَدْ يَكُونُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ كَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَحُكْمُ هَذِهِ أَنَّهَا (تَصِحُّ) مِنْهُ (لِمَصْلَحَةِ ثَوَابِهَا) فِي الْآخِرَةِ وَاعْتِيَادِ أَدَائِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِحَيْثُ لَا تَشُقُّ عَلَيْهِ (بِلَا عُهْدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ) الْمُضِيُّ فِيهَا (وَلَا بِالْإِفْسَادِ) قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِتْمَامُ مَعَ فَوَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا الصَّبِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَتْ نَفْعًا مَحْضًا فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ مَالِيًّا مِنْهَا كَالزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِهِ فِي الْعَاجِلِ بِنُقْصَانِ مَالِهِ (وَالرَّابِعُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ (كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِذَا) أَيْ وَلِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ مَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ (وَجَبَتْ أُجْرَتُهُ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ مَعَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ بُطْلَانَ عَقْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (وَلَحِقَهُ) أَيْ الصَّبِيَّ وَهُوَ (أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ.
(فَإِذَا عَمِلَ بَقِيَ الْأَجْرُ نَفْعًا مَحْضًا) وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ فِيهِ (فَيَجِبُ بِلَا اشْتِرَاطِ سَلَامَتِهِ) مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي الْعَمَلِ لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا أَقَامَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ بِالضَّمَانِ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) الْمَحْجُورِ (آجَرَ نَفْسَهُ) بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ (تَجِبُ) الْأُجْرَةُ (بِشَرْطِهَا) أَيْ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَمَلِ (فَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قِيمَتَهُ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ فَيَمْلِكُهُ فَلَا تَجِبُ أُجْرَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ (وَصَحَّتْ وَكَالَتُهُمَا) أَيْ قَبُولُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ تَوْكِيلَ غَيْرِهِمَا لَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا (بِلَا عُهْدَةٍ) تَرْجِعُ إلَيْهِمَا مِنْ لُزُومِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ (لِأَنَّهُ) أَيْ قَبُولَهُمَا الْوَكَالَةَ بِلَا عُهْدَةٍ (نَفْعٌ) مَحْضٌ لَهُمَا (إذْ يَكْتَسِبُ بِذَلِكَ إحْسَانَ التَّصَرُّفِ، وَجِهَةُ الضَّرَرِ وَهِيَ لُزُومُ الْعُهْدَةِ مُنْتَفِيَةٌ فَتَمَحَّضَ نَفْعًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] أَيْ اخْتَبِرُوا عُقُولَهُمْ وَتَعَرَّفُوا أَحْوَالَهُمْ بِالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْبُلُوغِ حَتَّى إذَا تَبَيَّنْتُمْ مِنْهُمْ هِدَايَةً دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ بِلَا تَأْخِيرٍ عَنْ حَدِّ الْبُلُوغِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِمَا مَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ (اسْتَحَقَّا الرَّضْخَ) أَيْ مَا دُونَ السَّهْمِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (إذَا قَاتَلَا بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى وَالْقِيَاسُ لَا شَيْءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِهِ بِالْإِذْنِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَحْجُورَيْنِ عَنْ مَحْضِ الْمَنْفَعَةِ وَاسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ بَعْدَ الْقِتَالِ كَذَلِكَ فَيَكُونَانِ كَالْمَأْذُونَيْنِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى.
(وَقِيلَ هُوَ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ (قَوْلُ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَمَانَهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقِتَالِ وَإِذَا كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ كَانَ لَهُمَا الرَّضْخُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَأَكْثَرُ تَفْرِيعَاتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ كَتَفْرِيعَاتِ الزِّيَادَاتِ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُمَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ فَلَا يَرْضَخُ لَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا شُهُودُ الْقِتَالِ بِدُونِ الْإِذْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا جَوَابُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْقِتَالِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ انْقَلَبَ نَفْعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ (وَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ) بِثُلُثِ مَالِهِ فَمَا دُونَهُ (مَعَ حُصُولِ نَفْعِ الثَّوَابِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ إذْ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ حَيًّا) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ (لِإِبْطَالِهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (نَفْعَ الْإِرْثِ عَنْهُ) لِأَقَارِبِهِ الْوَرَثَةِ (وَهُوَ) أَيْ نَفْعُ إرْثِهِمْ لَهُ (أَنْفَعُ) لَهُ مِنْ نَفْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجَانِبِ (لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ شَرْعًا لِلصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ) فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكَيْنِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدٍ إنَّك إنْ تَدَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute