الْبَيْعِ وَأَعْرَضَ الْآخَرُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْبَحْثِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي دَعْوَى الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ لَا إذَا اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْخُلْعِ وَمَا مَعَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ فَإِذَا هَزَلَ هُوَ بِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ هَزْلُهُ كَشَرْطِهِ الْخِيَارَ لَهَا كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ عَلَى أَنَّكِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ قَبِلْت فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَهُ حَتَّى تَشَاءَ بَعْدَ هَذَا الْقَبُولِ أَوْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِذَنْ ظَهَرَ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَلُزُومَ الْمَالِ إذَا هَزَلَا إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ قَيْدَ الثَّلَاثِ فِي مَشِيئَتِهَا هُنَا عِنْدَهُ وَصَرَّحُوا بِتَقْيِيدِهِ عِنْدَهُ فِي إجَازَتِهِمَا فِي الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ اهـ بَلْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِنَفْيِ التَّقْيِيدِ لِمَشِيئَتِهَا بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ فِي الْخُلْعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ قَدَّمْنَاهُ آنِفًا (وَكُلٌّ مِنْ الْعِتْقِ وَالصُّلْحِ) عَنْ دَمِ الْعَمْدِ (فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (مِثْلُ مَا فِي الطَّلَاقِ) مِنْ الْحُكْمِ وَالتَّفْرِيعِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَأَمَّا تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ هَزْلًا فَقِيلَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ) وَهُوَ طَلَبُهَا كَمَا عُلِمَ بِالْبَيْعِ هُوَ (كَالسُّكُوتِ) مُخْتَارًا (يُبْطِلُهَا) إذْ اشْتِغَالُهُ بِالتَّسْلِيمِ هَازِلًا سُكُوتٌ عَنْ طَلَبِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَهِيَ تَبْطُلُ بِحَقِيقَةِ السُّكُوتِ مُخْتَارًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ فَكَذَا بِالسُّكُوتِ حُكْمًا (وَبَعْدَهُ) أَيْ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادُ وَهُوَ أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ فَيَشْهَدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ عَلَى طَلَبِهَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ كَانَ بَعْدَ طَلَبِ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ (يَبْطُلُ التَّسْلِيمُ فَتَبْقَى الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ تَسْلِيمَهَا (مِنْ جِنْسِ مَا يَبْطُلُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ لِكَوْنِهِ اسْتِيفَاءَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ) وَمِنْ ثَمَّةَ يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ تَسْلِيمَ شُفْعَةِ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لَهُ (فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا بِالْحُكْمِ وَالْهَزْلِ بِنَفْيِهِ) أَيْ الرِّضَا بِالْحُكْمِ (وَكَذَا يَبْطُلُ بِهِ) أَيْ بِالْهَزْلِ (إبْرَاءُ الْمَدْيُونِ وَالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ إبْرَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا (مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ (وَكَذَا الْإِخْبَارَاتُ وَهُوَ الثَّانِي) مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْإِنْشَاءُ يَبْطُلُ بِالْهَزْلِ (سَوَاءٌ كَانَتْ) الْإِخْبَارَاتُ إخْبَارَاتٍ (عَمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ) كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ (أَوْ) كَانَتْ إخْبَارَاتٍ عَمَّا (لَا) يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ شَرْعًا وَلُغَةً كَمَا إذَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُقِرَّا بِأَنَّ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا أَوْ بَيْعًا فِي هَذَا بِكَذَا أَوْ لُغَةً فَقَطْ مُقَرَّرَةً شَرْعًا كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ كَذَا لَا يَثْبُتُ) شَيْءٌ مِنْهَا هَزْلًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْمُخْبَرِ بِهِ) أَيْ تَحَقَّقَ الْحُكْمُ الَّذِي صَارَ الْخَبَرُ عِبَارَةً عَنْهُ وَإِعْلَامًا بِثُبُوتِهِ أَوْ نَفْيِهِ، وَالْهَزْلُ يُنَافِي ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ.
(أَلَا يُرَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ مُكْرَهًا بَاطِلٌ فَكَذَا هَازِلًا) ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا وُجُودَ هُنَا لِطَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ إنْسَانٌ زَوْجَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فَإِذَا أَجَازَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ طَلُقَتْ وَعَتَقَ (وَكَذَا فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَهُوَ الثَّالِثُ) وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ كَذَا وَالِاقْتِصَارَ عَلَى الثَّالِثِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ. (وَأَمَّا ثُبُوتُ الرِّدَّةِ بِالْهَزْلِ) أَيْ بِتَكَلُّمِ الْمُسْلِمِ بِالْكُفْرِ هَزْلًا (فِيهِ) أَيْ فَثُبُوتُهَا بِالْهَزْلِ نَفْسِهِ (لِلِاسْتِخْفَافِ) ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَالرِّضَا بِذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ وَهُوَ كُفْرٌ بِالنَّصِّ قَالَ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٦] وَبِالْإِجْمَاعِ (لَا بِمَا هَزَلَ بِهِ) وَهُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا هَازِلًا (إذْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ وَيَلْزَمُ الْإِسْلَامُ) أَيْ نَحْكُمُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا (بِالْهَزْلِ بِهِ) أَيْ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ هَازِلًا (تَرْجِيحًا) لِجَانِبِ الْإِيمَانِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْإِنْسَانِ التَّصْدِيقُ وَالِاعْتِقَادُ (كَالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ مُطْلَقًا عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (عِنْدَنَا) لِوُجُودِ رُكْنِهِ مِنْهُ بَلْ الْهَازِلُ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute