الْأَوَّلِ أَعْنِي الْإِعْرَاضَ ظَاهِرٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لَبُطْلَانِهَا بِالْإِعْرَاضِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ حُكْمًا وَدَلِيلًا (وَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (فِي صُوَرِهَا) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ الثَّلَاثِ (حَتَّى لَزِمَا) أَيْ الطَّلَاقُ وَالْمَالُ (فِي الْبِنَاءِ) عَلَى الْمُوَاضَعَةِ (أَيْضًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالْهَزْلِ لَكِنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّلَاقِ لِاسْتِغْنَائِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (عَنْهُ) أَيْ الْمَالِ (لَوْلَا الْقَصْدُ إلَى ذِكْرِهِ فَإِذَا ثَبَتَ الْمُتَضَمِّنُ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ (ثَبَتَ) الْمُتَضَمَّنُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَالُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، فَإِنْ قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُ الْمَالِ فِي هَذَا تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ سَلَفَ أَنَّهُ فِيهِ مَقْصُودٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ أَنَّهُ فِيهِ تَبَعٌ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْهَزْلَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِهِ فَإِنَّ الْمَالَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ وَقَدْ أَثَّرَ فِي الْمَالِ حَتَّى كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا فِيمَا إذَا هَزَلَا بِأَلْفَيْنِ أُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ الِاسْتِقَامَةِ وَكَيْفَ لَا (وَالتَّبَعِيَّةُ) أَيْ تَبَعِيَّةُ الْمَالِ لِلطَّلَاقِ (بِهَذَا الْمَعْنَى) وَهُوَ كَوْنُهُ فِي الثُّبُوتِ تَابِعًا لَهُ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِيهِ وَالشُّرُوطُ أَتْبَاعٌ عَلَى مَا عُرِفَ (لَا تُنَافِي الْمَقْصُودِيَّةَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَاقِدِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالذِّكْرِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ (بِخِلَافِ تَبَعِيَّتِهِ) أَيْ الْمَالِ (فِي النِّكَاحِ فَبِمَعْنَى أَنَّهُ) أَيْ الْمَالَ (غَيْرُ الْمَقْصُودِ) لِلْعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُمَا الْحِلُّ لَا الْمَالُ.
(وَهَذَا) الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ تَبَعِيَّةِ الْمَالِ فِيهِ (لَا يُنَافِي الْأَصَالَةَ) لِلْمَالِ (مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ) أَيْ الْمَالِ (عِنْدَ ثُبُوتِهِ) أَيْ النِّكَاحِ بِلَا ذِكْرِهِ بَلْ وَمَعَ نَفْيِهِ إظْهَارًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْهُ بَلْ مَقْصُودٍ فِيهِ لِإِظْهَارِ شَرَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ بَيْعٌ، وَكَذَا مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ لِثُبُوتِ الْعَقْدِ لَكِنَّ ثُبُوتَهُ عَقِبَ ثُبُوتِهِ مَقْصُودٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي النِّكَاحِ وَفِي شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِلشَّيْخِ قِوَامِ الدِّينِ الْكَاكِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فِي التَّلْجِئَةِ أَنَّهُمَا لَوْ تَوَاضَعَا فِي النِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ سِرًّا ثُمَّ عَقَدَا عَلَانِيَةً بِأَلْفَيْنِ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَالْعَتَاقُ وَعَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَعَلَى هَذَا كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ مِثْلَ النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْهَزْلُ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبِنَاءِ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْهَزْلُ بِأَصْلِ التَّصَرُّفِ أَوْ بِقَدْرِ الْبَدَلِ فِيهِ أَوْ بِجِنْسِهِ (يَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَى مَشِيئَتِهَا) أَيْ اخْتِيَارِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ بِالْمُسَمَّى عَلَى طَرِيقِ الْجِدِّ وَإِسْقَاطِ الْهَزْلِ كَمَا يَتَوَقَّفُ وُقُوعُهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْخُلْعِ مِنْ جَانِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِهَا؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ فِي الْخُلْعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْخُلْعِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ فَإِنَّهُ طَلَاقٌ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِمُدَّةٍ فَلَهَا النَّقْضُ وَالْإِجَازَةُ مُؤَبَّدًا وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِثْبَاتِ وَتَعْلِيقُهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَكِنَّ الْجَوَازَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي الْخُلْعِ أَيْضًا مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مِنْ جَانِبِهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَالُ فِيهِ مَقْصُودًا لَا تَابِعًا وَهُوَ هُنَا تَابِعٌ فِي الثُّبُوتِ لِلطَّلَاقِ وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَتْبُوعِ دُونَ التَّابِعِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ مُوَافَقَةً لِلتَّلْوِيحِ (لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْمُوَاضَعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ (أَنْ يَتَعَلَّقَ) الطَّلَاقُ (بِجَمِيعِ الْبَدَلِ وَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْفَرْضُ أَنَّهُمَا هَزَلَا بِالْعَقْدِ إذْ بَنَيْنَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَمَعْنَى الْهَزْلِ بِالْخُلْعِ لَيْسَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الطَّلَاقَ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ مَعَ قَبُولِهَا وَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الْهَازِلَ مُطْلَقًا غَيْرُ رَاضٍ بِالْحُكْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَهَزْلُهُمَا شَرْطٌ فَاسِدٌ فِيمَا هَزَلَا بِهِ لَكِنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْخُلْعُ يَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهَا بِقِي أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مَوْقُوفًا أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِمَا لَا عَلَى مَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا لِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْهَزْلَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا هَازِلَانِ، وَكَذَا إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute