مَنْدُوبٌ لَكِنَّهُ وَاجِبٌ لِلْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ) عَنْ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنْ الْوُجُوبِ (بِهِ) أَيْ بِالْوِتْرِ (فَلَيْسَ مَنْدُوبًا) وَلَوْ قِيلَ لَكِنَّهُ مَنْدُوبٌ أَنْتَجَ فَلَيْسَ وَاجِبًا.
وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مَعَ قَوْلِهِ لِلْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي وَضْعُ الْمَنْدُوبِ الْمُقْتَضِي لِرَفْعِ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ الْوَاقِعَ أَمَّا لَوْ قِيلَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَمْ يُنْتِجْ فَهُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ لَمْ يُنْتِجْ فَهُوَ وَاجِبٌ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا وَلَا مَنْدُوبًا؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْدُوبِ، وَمَا لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ (أَوْ فِي الْعَدَمِ) فَقَطْ أَيْ أَوْ مُقَدِّمَتَانِ أَوَّلَاهُمَا مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ أَوْ شَخْصِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ؛ لِأَنَّهَا يُمْتَنَعُ الْخُلُوُّ مِنْ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهَا فِي النَّفْيِ لِمُعَانَدَةٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِتَرَكُّبِهَا مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَعَمِّ مِنْ نَقِيضِهِ وَأُخْرَاهُمَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ لِنَقِيضِ أَحَدِهِمَا فَتُنْتِجُ عَيْنَ الْآخَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَقَلْبُ الْمِثَالِ وَحُكْمُهُ) فَقَلْبُ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ الْوِتْرُ إمَّا لَا وَاجِبٌ أَوْ لَا مَنْدُوبٌ، وَقَلْبُ حُكْمِهِ أَنَّ عَدَمَ كُلٍّ يُنْتِجُ وُجُودُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرْتَفِعَانِ وَوُجُودُهُ لَا يُنْتِجُ عَدَمَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فَإِذَا قُلْت لَكِنَّهُ لَا وَاجِبٌ أَوْ لَا مَنْدُوبٌ لَمْ يُفِدْ بَلْ إذَا قُلْت لَكِنَّهُ وَاجِبٌ أَنْتَجَ لَا مَنْدُوبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَنْتَجَ لَا وَاجِبٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ حَسَنٌ.
وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي حُكْمِهِ رَاجِعٌ إلَى مَا قَبْلَهُ لَا إلَى الْمِثَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْلِبْ حُكْمَهُ أَيْضًا فَالْمُرَادُ فَقَلْبُ مِثَالِ مَا قَبْلَهُ، وَقَلْبُ حُكْمِ مَا قَبْلَهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنْ تَكُونَ النِّسْبَةُ الْعِنَادِيَّةُ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي عَلَى التَّقَادِيرِ الْمَذْكُورَةِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْضَاعِ الْمُمْكِنَةِ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمُقَدَّمِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ قَالُوا وَسُوَرُ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ لَفَظَّةٌ دَائِمًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ الِاقْتِرَانِيُّ، وَهُوَ (انْتِسَابُ الْمُنَاسِبِ، وَهُوَ) أَيْ الْمُنَاسِبُ (الْوَسَطُ لِكُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ بِالْوَضْعِ وَالْحَمْلِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْوَسَطُ مَوْضُوعًا لِكُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ أَوْ مَحْمُولًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مَوْضُوعًا لِأَحَدِهِمَا مَحْمُولًا لِلْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِي بَيَانُهَا؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ لَمَّا كَانَتْ مَجْهُولَةً لِكَوْنِهَا مُكْتَسَبَةً بِالْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ ثَالِثٍ مُنَاسِبٍ لَهُمَا يُتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ لَهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِسْبَةٌ لِيُعْلَمَ بِسَبَبِهِ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ الْقِيَاسُ الْمَطْلُوبَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَيَلْزَمُ) فِي تَحَقُّقِ هَذَا الطَّرِيقِ (جُمْلَتَانِ خَبَرِيَّتَانِ) أَيْ قَوْلَانِ مُحْتَمِلَانِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ هُمَا (وَهُمَا الْمُقَدِّمَتَانِ) اللَّتَانِ هُمَا جُزْءَا الْقِيَاسِ، وَهُمَا يَكُونَانِ فِي الْحَقِيقَةِ مُرَكَّبَتَيْنِ (مِنْ) حُدُودٍ (ثَلَاثَةٍ) طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ وَالْحَدِّ الْوَسَطِ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْحَدِّ الْوَسَطِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرُ الْحَدُّ الْوَسَطُ اثْنَيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ كَذَلِكَ (لِتَكْرَارِ الْوَسَطِ) فَلَمْ يَكُنْ اثْنَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى (وَيُسَمَّى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوبِ أَصْغَرُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ أَخَصُّ وَالْأَخَصُّ أَقَلُّ أَفْرَادًا فَيَكُونُ أَصْغَرَ (وَبِهِ فِيهِ) أَيْ وَيُسَمَّى الْمَحْكُومُ بِهِ فِي الْمَطْلُوبِ حَدًّا (أَكْبَرَ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ أَعَمُّ، وَالْأَعَمُّ أَكْثَرُ أَفْرَادًا وَالْمُشْتَرَكُ الْمُكَرَّرُ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ حَدًّا أَوْسَطَ لِتَوَسُّطِهِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ (وَبِاعْتِبَارِهِمَا) أَيْ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ تُسَمَّى (الْمُقَدِّمَتَانِ) صُغْرَى، وَهِيَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْأَصْغَرِ وَكُبْرَى، وَهِيَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْأَكْبَرِ (وَيَتَصَوَّرُ) عَلَى صِيغَة الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ الِانْتِسَابُ الْمَذْكُورُ (بِأَرْبَعِ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَرِّرَ مَحْمُولٌ فِي الصُّغْرَى مَوْضُوعٌ فِي الْكُبْرَى أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ مَوْضُوعٌ فِي الصُّغْرَى مَحْمُولٌ فِي الْكُبْرَى (أَوْ مَوْضُوعٌ فِيهِمَا) أَيْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى (أَوْ مَحْمُولٌ) فِيهِمَا فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ.
(وَكُلُّ صُورَةٍ تُسَمَّى شَكْلًا) فَإِذَنْ الْأَشْكَالُ أَرْبَعَةٌ إلَّا أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى تُسَمَّى الشَّكْلُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِيَةُ الشَّكْلُ الرَّابِعُ، وَالثَّالِثَةُ الشَّكْلُ الثَّالِثُ، وَالرَّابِعَةُ الشَّكْلُ الثَّانِي (وَقَطْعِيَّةُ اللَّازِمِ) عَنْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالنَّتِيجَةُ أَيْضًا (بِقَطْعِيَّتِهِمَا) أَيْ قَطْعِيَّةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْقَطْعِيِّ قَطْعِيٌّ (وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ الْكَائِنُ بِهَذَا الْوَصْفِ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ هُوَ (الْبُرْهَانُ) ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْحُجَّةُ الْقَطْعِيَّةُ بِهِ لِوُضُوحِ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الشُّعَاعُ الَّذِي يَلِي وَجْهَ الشَّمْسِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute