للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا كَانَ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ بِلَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغَّبَنَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِقِرَاءَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِمَا كَانَ فِي مُصْحَفِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ذَاكَ قَدْ انْتَسَخَ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ أَخَذُوا بِقِرَاءَتِهِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ فَإِنَّمَا رَغَّبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغْيِيرُ مَعْنًى وَلَا زِيَادَةُ حَرْفٍ وَلَا نُقْصَانُهُ وَلَا تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ وَتَمْتَنِعُ إنْ كَانَ فِيهَا زِيَادَةُ حَرْفٍ أَوْ تَغْيِيرُ مَعْنًى وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ إذَا تَعَمَّدَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَمِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَظْهَرُ عَدَمُ تَسْلِيمِ نَقْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذَّةِ وَلَا الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَقْرَأُ بِهَا (وَلَزِمَ فِيمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ نَفْيُ الْقُرْآنِيَّةِ) عَنْهُ (قَطْعًا غَيْرَ أَنَّ إنْكَارَ الْقَطْعِيِّ إنَّمَا يَكْفُرُ) مُنْكِرُهُ (إذَا كَانَ) ذَلِكَ الْقَطْعِيُّ (ضَرُورِيًّا) مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ كَمَا هُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ (وَمَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ) أَيْ الضَّرُورِيَّ فِي الْقَطْعِيِّ الْمُكَفَّرِ بِإِنْكَارِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ (إذَا لَمْ يُثْبِتْ فِيهِ شُبْهَةً قَوِيَّةً فَلِذَا) أَيْ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَطْعِيِّ الْمُنْكَرِ ثُبُوتًا وَانْتِفَاءً (لَمْ يَتَكَافَرُوا) أَيْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدٌ مِنْ الْمُخَالِفِينَ الْآخَرَ (فِي التَّسْمِيَةِ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ لِتُقَوِّيهِ فِي كُلِّ طَرَفٍ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ فَإِنَّهُ عُذْرٌ وَاضِحٌ فِي عَدَمِ التَّكْفِيرِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَابِرٍ لِلْحَقِّ وَلَا قَاصِدٍ إنْكَارَ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِّ الْوُضُوحِ إلَى حَدِّ الْإِشْكَالِ وَأَوْرَدَ الدَّلِيلُ عِنْدَ كُلٍّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ قَطْعِيٍّ وَإِلَّا لَمَا جَازَ نَفْيُهَا وَإِثْبَاتُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ تُطْلَقُ قُوَّةُ الشُّبْهَةِ عَلَى دَلِيلِ كُلٍّ وَهِيَ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّيِّ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَلِيلُ كُلٍّ قَطْعِيًّا عِنْدَهُ فَهُوَ ظَنِّيٌّ عِنْدَ مُخَالِفِهِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ قُوَّةَ الشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ قِيلَ فَمَنْ يَعْتَقِدُ قَطْعِيَّةَ دَلِيلِهِ وَيَجْزِمُ بِخَطَأِ مُخَالِفِهِ كَيْفَ يُسَلِّمُ قُوَّةَ الشُّبْهَةِ فِي دَلِيلِهِ فَإِنَّ إفَادَةَ الظَّنِّ بِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ تَقْدَحُ فِي كَوْنِ دَلِيلِهِ قَطْعِيًّا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلظَّنِّ وَقُوَّةِ الشُّبْهَةِ مَعَ الْقَطْعِيِّ لِأَنَّ الظَّنَّ يَضْمَحِلُّ بِمُقَابَلَةِ الْقَاطِعِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِتَحَقُّقِ قُوَّةِ الشُّبْهَةِ فِي دَلِيلِ الْمُخَالِفِ حُصُولَ الظَّنِّ بِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ دَلِيلَهُ قَوِيُّ الشُّبْهَةِ بِالْحَقِّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفِكْرِ التَّامِّ فِي دَلِيلِ نَفْسِهِ لِيَظْهَرَ بُطْلَانُ دَلِيلِ مُخَالِفِهِ فَجُعِلَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ عُذْرًا فِي مَنْعِ التَّكْفِيرِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ دَلِيلُ كُلٍّ قَطْعِيًّا لَزِمَ تَعَارُضُ الْقَطْعِيَّيْنِ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِقَادِ كُلٍّ قَطْعِيَّةِ دَلِيلِهِ تَعَارُضُ الْقَطْعِيَّيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ مُخَالِفِهِ وَإِلَّا لَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَكَفَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُ إنْ تَوَاتَرَ كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنْكَارُ كَوْنِهَا مِنْهُ كُفْرٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُنْكِرُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَإِثْبَاتُهَا مِنْهُ كُفْرٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُلْحِقُ بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى نَفْيِ قُرْآنِيَّتِهَا فِي غَيْرِ سَجْدَةِ النَّمْلِ مَنْ ذَهَبَ كَمَالِكٍ (لِعَدَمِ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا فِي الْأَوَائِلِ) أَيْ أَوَائِلِ السُّوَرِ (قُرْآنًا وَكِتَابَتُهَا) بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (لِشُهْرَةِ الِاسْتِنَانِ بِالِافْتِتَاحِ بِهَا فِي الشَّرْعِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (وَالْآخَرُ) أَيْ الْمُثْبِتُ لِقُرْآنِيَّتِهَا فِي الْأَوَائِلِ يَقُولُ (إجْمَاعُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (عَلَى كِتَابَتِهَا) بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِي الْأَوَائِلِ (مَعَ أَمْرِهِمْ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ) عَمَّا سِوَاهُ حَتَّى لَمْ يُثْبِتُوا آمِينَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَخْلِطُوهُ بِشَيْءٍ يَعْنِي فِي كِتَابَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حَدِيثٌ حَسَنٌ مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُد اهـ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ لَا تُلْحِقُوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الْمَحَالِّ (وَالِاسْتِنَانُ) لَهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (لَا يُسَوِّغُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى كِتَابَتِهَا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِيهَا (لِتَحَقُّقِهِ) أَيْ الِاسْتِنَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>