الْفِضَّةِ تَقْدِيرًا لَازِمًا لِأَنَّهَا الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهَا عَادَةً فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُقَدَّرًا شَرْعًا كَانَ مُبْطِلًا لِلْخَاصِّ لَا عَامِلًا بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ نَظَرٍ (إذْ يَدْفَعُ) كَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ الْآيَةِ هَذَا (بِجَوَازِ كَوْنِهِ) أَيْ مَا فَرَضْنَا (النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْمَهْرَ بِلَا كَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَهْرِ (لَا يَنْقُصُ شَرْعًا كَمَا فِيهِمَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (وَتَعَلُّقُ الْعِلْمِ) بِالْمَفْرُوضِ فِي قَوْلِهِ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب: ٥٠] (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ التَّعْيِينُ فِي الْمَفْرُوضِ (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْعِلْمِ (بِضِدِّهِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا (وَأَمَّا قَصْرُ الْمُرَادِ عَلَيْهِمَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (لِعَطْفِ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) عَلَى قَوْلِهِ أَزْوَاجِهِمْ (وَلَا مَهْرَ لَهُنَّ) أَيْ لِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَى سَادَاتِهِنَّ (فَغَيْرُ لَازِمٍ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَفْرُوضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَزْوَاجِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَاءِ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ تَقْدِيرُ الْمَهْرِ شَرْعًا (بِالْخَبَرِ) الْمَذْكُورِ (مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ الْمَالِ فِي أَنْ تَبْتَغُوا) بِأَمْوَالِكُمْ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَكِنْ الْعَمَلُ بِهَذَا الْخَبَرِ يُوجِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدكُمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (وَكَذَا ادِّعَاءُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ لِلْعَمَلِ بِهِ) أَيْ بِالْخَاصِّ (وَهُوَ الْفَاءُ لِإِفَادَتِهَا تَعْقِيبٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا الِافْتِدَاءَ) الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ (بَلْ) هِيَ (لِتَعْقِيبِ الطَّلَاقِ مَرَّتَانِ لِأَنَّهَا) أَيْ فَإِنْ طَلَّقَهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ (بَيَانُ الثَّالِثَةِ أَيْ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْكِحَ وَاعْتَرَضَ) بَيْنَهُمَا (جَوَازُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِمَالٍ أُولَى كَانَتْ) الطَّلْقَةُ (أَوْ ثَانِيَةً أَوْ ثَالِثَةً) دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مَجَّانًا تَارَةً وَبِعِوَضٍ أُخْرَى (وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ جَوَازِهِ بِمَالٍ اعْتِرَاضًا بَيْنَهُمَا لَا أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] (لَمْ يَلْزَمْ فِي شَرْعِيَّةِ الثَّالِثَةِ تَقَدُّمُ خُلْعٍ وَأَمَّا إيرَادُ أَثْبَتُّمْ التَّحْلِيلَ) لِلزَّوْجِ الثَّانِي (بِلَعْنِ الْمُحَلِّلِ) فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ
لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ مَنْ يُثْبِتُ الْحِلَّ كَالْمُحَرِّمِ مَنْ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ «وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَوْجَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ لَمَّا أَتَتْهُ فَقَالَتْ كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد (زِيَادَةً عَلَى الْخَاصِّ لَفْظُ حَتَّى فِي {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] لِأَنَّهُ وُضِعَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ الْغَايَةُ وَغَايَةُ الشَّيْءِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الشَّيْءُ فَيَكُونُ نِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي غَايَةً لِلْمُحَرَّمَةِ الثَّابِتَةِ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرُ وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ الْجَدِيدُ بِهِ فَإِثْبَاتُهُ بِأَحَدِ الْخَبَرَيْنِ زِيَادَةً لَهُ عَلَى الْخَاصِّ مُبْطِلَةٌ لَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالُوا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِثَلَاثٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ عَمَلًا بِكُلٍّ مِنْ الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَيْسَ عَدَمُ تَحْلِيلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ الثَّانِي الزَّوْجَةَ لِلْأَوَّلِ (وَ) عَدَمُ (الْعَوْدِ) أَيْ عَوْدِهَا (إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى) وَهِيَ مِلْكُ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ (مِمَّا صَدَقَاتِ مَدْلُولِهَا) أَيْ حَتَّى فِي الْآيَةِ (لِيَلْزَمَ إبْطَالُهُ) أَيْ مَدْلُولِهَا (بِالْخَبَرِ فَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُ التَّحْلِيلِ بِالثَّانِي (إثْبَاتُ مَسْكُوتِ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ أَوْ بِمَفْهُومِ حَتَّى عَلَى أَنَّهُ) أَيْ مَفْهُومُهَا أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (اتِّفَاقٌ) أَيْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُمْ فَلِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ صَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ (أَوْ بِالْأَصْلِ) الْكَائِنِ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ (وَعَلَى تَقْدِيرِهِ) أَيْ كَوْنِهِ إثْبَاتُ مَسْكُوتِ الْكِتَابِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (يُرِدْ الْعَوْدَ وَالتَّحْلِيلَ إنَّمَا جُعِلَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فِي حُرْمَتِهَا بِالثَّلَاثِ وَلَا حُرْمَةَ قَبْلَهَا) أَيْ الثَّلَاثِ حُرْمَةُ الثَّلَاثِ (فَلَا يُتَصَوَّرُ) أَيْ الْعَوْدُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ حَالَةُ مِلْكِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا حُرِّمَتْ بِالثَّلَاثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute