يَبْقَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ بَلْ صَارَ الْمَالُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مُلْحَقًا بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَعَصِيرِ الْمُسْلِمِ إذَا تَخَمَّرَ لَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ بِسَرِقَةِ عَصِيرِهِ حَقٌّ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ رِعَايَةً لِحَقِّهِ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ تَعَالَى وَقَدْ اسْتَوْفَى بِالْقَطْعِ مَا وَجَبَ بِالْهَتْكِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا آخَرَ فَهُوَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَسْرُوقِ فَكَانَ مَعْدُودًا مِنْهَا وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَسْرُوقِ وَالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ سَاقِطُ الْعِصْمَةِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ السَّارِقِ غَيْرُ سَاقِطِ الْعِصْمَةِ وَلَا حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَالضَّمَانُ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ بِالنَّصِّ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا دِيَانَةً فَفِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدٍ يُفْتَى بِالضَّمَانِ لِلُحُوقِ الْخُسْرَانِ وَالنُّقْصَانِ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ السَّارِقِ.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ لَفْظُ جَزَاءٍ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُوبَاتِ خَاصًّا بِالْعُقُوبَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ بِالِاسْتِقْرَاءِ إنَّمَا هُوَ (بِعَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْخَاصِّ) إنَّمَا يَكُونُ (بِالْوَضْعِ) لَا بِعَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ (أَوْ لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَزَاءُ (الْكَافِي فَلَوْ وَجَبَ) الضَّمَانُ مَعَ الْقَطْعِ (لَمْ يَكْفِ) الْقَطْعُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ كَافٍ (وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ الْكَافِي جَزَاءَ الْمَصْدَرِ الْمَمْدُودِ بَلْ) الْكَافِي (الْمُجْزِئُ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَوْ الْجَازِئِ مِنْ الْجُزْءِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ) كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ (فَهُوَ) أَيْ سُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْ السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِهِ (بِالْمَرْوِيِّ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ (لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا فِيهِ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ» ثُمَّ إنَّ رَاوِيَهُ الْمِسْوَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ لَمْ يَلْقَهُ وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ سَهْلٌ جِدًّا وَالثَّانِي غَيْرُ ضَائِرٍ لِأَنَّ الْمِسْوَرَ مَقْبُولٌ فَإِرْسَالُهُ غَيْرُ قَادِحٍ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقِيلَ إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ فَبَطَلَ الْقَدْحُ بِهِ
أَيْضًا (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ مَعَ الْقَطْعِ (لَيْسَ مِنْ الزِّيَادَةِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى النَّصِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ (لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَصْدُقُ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتِهِ فَيَكُونَا) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتُهُ (مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْمُطْلَقِ بَلْ هُوَ) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ (حُكْمٌ آخَرُ أَثْبَتُ بِتِلْكَ الدَّلَالَةِ) الِاسْتِقْرَائِيَّة لِجَزَاءٍ (أَوْ بِالْحَدِيثِ) الْمَذْكُورِ (بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَجَبَ لَهُ) أَيْ لِلْعَمَلِ بِالْخَاصِّ (مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ فِي الْمُفَوِّضَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا بِإِذْنِهَا بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا وَهِيَ مَنْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِلَا مَهْرٍ بِلَا إذْنِهَا (فَيُؤْخَذُ) مَهْرُ الْمِثْلِ (بَعْدَ الْمَوْتِ بِلَا دُخُولٍ عَمَلًا بِالْبَاءِ) الَّذِي هُوَ لَفْظٌ خَاصٌّ فِي الْإِلْصَاقِ حَقِيقَةً فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] (لِإِلْصَاقِهَا الِابْتِغَاءَ وَهُوَ الْعَقْدُ) الصَّحِيحُ (بِالْمَالِ) فَإِنَّهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْمُصَنِّفِ (وَحَدِيثُ بِرْوَعَ) وَهُوَ مَا «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد وَالْمُرَادُ صَدَاقُ مِثْلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ سَتَأْتِي فِي الْكَلَامِ فِي جَهَالَةِ الرَّاوِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ بِرْوَعَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا وَفِي الْغَايَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ خَطَأٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَفِي الْجَمْهَرَةِ وَهُوَ خَطَأٌ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فِعْوَلُ إلَّا حَرْفَانِ خِرْوَعَ وَهُوَ كُلُّ نَبْتٍ لَانَ وَعِتْوَدَ وَادٍ أَوْ مَوْضِعٌ (مُؤَيَّدٌ فَإِنَّهُ مُقَرَّرٌ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ تَقْدِيرِ أَقَلِّهِ) أَيْ الْمَهْرِ (شَرْعًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: ٥٠] لِأَنَّ الْفَرْضَ لَفْظٌ خَاصٌّ وُضِعَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ التَّقْدِيرُ وَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ بِهِ لَفْظٌ خَاصٌّ يُرَادُ بِهِ ذَاتُ الْمُتَكَلِّمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدَّرَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ مُجْمَلٌ.
(فَالْتَحَقَ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ» ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَسَنَدُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ حَسَنٌ (بَيَانًا بِهِ) فَصَارَتْ عَشَرَةُ الدَّرَاهِمِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute