قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ» (بَلْ) أَلْحَقُوهَا (وَاجِبَاتٍ) لِلْمَذْكُورَاتِ (إذْ لَمْ يَرِدْ بِمَا تَيَسَّرَ الْعُمُومُ الِاسْتِغْرَاقِيُّ) وَهُوَ جَمِيعُ مَا تَيَسَّرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (بَلْ) أَرَادَ بِهِ مَا تَيَسَّرَ (مِنْ أَيِّ مَكَان فَاتِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) فَلَوْ قَالُوا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّعْدِيلِ وَالطَّوَافِ بِلَا طَهَارَةٍ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الْآحَادِ لَكَانَ نَسْخًا لِهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ بِهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَرَتَّبُوا عَلَيْهَا مُوجِبَهَا مِنْ وُجُوبِهَا فَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ وَيَلْزَمُ الْجَابِرُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ وَلَا تَفْسُدُ ثُمَّ كَوْنُ التَّعْدِيلِ وَاجِبًا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ (وَتَرْكُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُسِيءَ) صَلَاتَهُ بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ (يُرَجِّحُ تَرْجِيحَ الْجُرْجَانِيِّ الِاسْتِنَانُ) لِأَنَّ مِنْ الْبَعِيدِ تَقْرِيرَهُ عَلَى مَكْرُوهٍ تَحْرِيمًا إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الصَّلَاةِ شَرْعًا لِعَدَمِ الصِّحَّةِ حَقِيقَةٌ، وَلِعَدَمِ كُلٍّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ مَجَازٌ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ نَفْيَهَا لِعَدَمِ الْوَاجِبِ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ نَفْيِهَا لِعَدَمِ السُّنَّةِ وَلِلْمُوَاظَبَةِ وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ (كَقَوْلِهِمْ فِي تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَوِلَائِهِ وَنِيَّتِهِ) إنَّهَا سُنَّةٌ (لِضَعْفِ دَلَالَةِ مُقَيِّدِهَا) كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (بِخِلَافِ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ نَفْيَ الْكَمَالِ فِي خَبَرِهَا بَعِيدٌ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ) لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا إنَّمَا هُوَ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامُّ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فَالتَّقْدِيرُ لَا صَلَاةَ كَائِنَةً لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
وَعَدَمُ الْوُجُودِ شَرْعًا هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ (وَبِظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ) كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا ظَنِّيَّةٌ يَثْبُتُ (النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْوُجُوبُ) يَثْبُتُ (بِقَطْعِيِّهَا) أَيْ الدَّلَالَةِ (مَعَ ظَنِّيَّةِ الثُّبُوتِ) كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا قَطْعِيَّةٌ (وَقَلْبِهِ) أَيْ وَبِظَنِّيِّهَا مَعَ قَطْعِيَّةِ الثُّبُوتِ كَالْآيَاتِ الْمُؤَوَّلَةِ (وَالْفَرْضُ) يَثْبُتُ (بِقَطْعِيِّهِمَا) أَيْ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ كَالنُّصُوصِ الْمُفَسَّرَةِ وَالْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا قَطْعِيَّةٌ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ (وَيَشْكُلُ) عَلَى أَنَّ بِظَنَّيْهِمَا يَثْبُتُ النَّدْبُ وَالسُّنَّةُ (اسْتِدْلَالُهُمْ) لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ (بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةً لِصِدْقِ التَّشْبِيهِ) أَيْ تَشْبِيهِ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ (بِالثَّوَابِ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مُوجِبًا مَا سِوَاهُ) أَيْ الْمَنْطِقَ (مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ فِي الطَّوَافِ) حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ (لِجَوَازِ نَحْوِ الشُّرْبِ) فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هِيَ سُنَّةٌ.
(فَالْوَجْهُ) الِاسْتِدْلَال لَهُ (بِحَدِيثِ «عَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ مُحْرِمَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَرَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ (وَادَّعُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (لِلْعَمَلِ بِالْخَاصِّ لَفْظَ جَزَاءٍ) فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: ٣٨] (انْتِفَاءَ عِصْمَةِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا لِلْعَبْدِ لِاسْتِخْلَاصِهَا) أَيْ عِصْمَةِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى (عِنْدَ الْقَطْعِ) لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا.
(فَإِنْ قُطِعَ) السَّارِقُ (تَقَرَّرَ) خُلُوصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى قُبَيْلَ فِعْلِ السَّرِقَةِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا يَتَّصِلُ بِهَا السَّرِقَةُ وَكَانَ الْقَطْعُ مُبَيِّنًا لَنَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَى سَبْقِ الشَّرْطِ (فَلَا يَضْمَنُ) الْمَسْرُوقَ (بِاسْتِهْلَاكِهِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَزَاءُ الْمُطْلَقُ (فِي الْعُقُوبَاتِ) يَكُونُ (عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى خَالِصًا بِالِاسْتِقْرَاءِ) لِأَنَّهُ الْمُجَازِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَتْ الدَّارُ الْآخِرَةُ دَارَ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ الْمُجَازِي وَحْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ وَلِذَا لَمْ تُرَاعَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا رُوعِيَتْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مَالًا كَانَ أَوْ عُقُوبَةً وَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا حَاكِمُ الشَّرْعِ وَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْمَالِكِ وَإِذَا كَانَ حَقُّ اللَّهِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاقِعَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ جَزَاءً مِنْ اللَّهِ بِمُقَابَلَتِهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ تُحَوَّلُ الْعِصْمَةُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ عِنْدَ فِعْلِ السَّرِقَةِ حَتَّى تَقَعَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ لِيَسْتَحِقَّ الْجَزَاءَ مِنْهُ تَعَالَى وَمَتَى تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute