فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلِمَ قَالَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَزَنَى وَتَرَكَ الصَّلَاةَ فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا لَكِنْ ضَبَّبَ عَلَى لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (وَفِي) الْحَدِيثِ (الصَّحِيحِ) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (قَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ) مَعْدُودَانِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَهَلْ يَتَقَيَّدُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ تَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ الْقَرَافِيُّ بِعَدَمِ التَّقَيُّدِ بِهِ.
وَقَالَ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا فَلْسًا (وَمِمَّا عُدَّ) مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ (الْقِمَارُ وَالسَّرَفُ وَسَبُّ السَّلَفِ الصَّالِحِ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَوْلُهُ (وَالطَّعْنُ فِي الصَّحَابَةِ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (وَالسَّعْيُ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ وَعُدُولُ الْحَاكِمِ عَنْ الْحَقِّ) .
قُلْتُ وَفِي هَذِهِ نُصُوصٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تُفِيدُ تَحْرِيمَهَا مَعْرُوفَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا وَأَمَّا النَّصُّ الصَّرِيحُ السَّمْعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَبَائِرُ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِذَلِكَ نَعَمْ يُسْتَفَادُ كَوْنُهَا كَبَائِرَ مِنْ بَعْضِ ضَوَابِطِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَيَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] وَمِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا مِنْ بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ نَصًّا صَرِيحًا فِي كَوْنِ السَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْحُكْمِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ كَبِيرَةٌ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ٠ تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِلَا عُذْرٍ أَوْلَى بِذَلِكَ أَيْضًا (وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا تَوَعَّدَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ (بِخُصُوصِهِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لِلْأَصْحَابِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَهَذَا الْقَوْلُ جَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَعْلَاهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْهُ قَالَ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنٍ أَوْ عَذَابٍ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ قَالَ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفِي بَعْضِهَا أَوْ سَبْعُمِائَةٍ وَكَأَنَّهَا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي أَوْ مُبَالَغَةٌ وَقِيلَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُمْ إلَى تَرْجِيحِهِ أَمْيَلُ اهـ وَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ عِدَّةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا كَأَكْلِ الرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْعُقُوقِ فَالْأَوَّلُ أَمْثَلُ (قِيلَ وَكُلُّ مَا مَفْسَدَتُهُ كَأَقَلِّ مَا رُوِيَ مَفْسَدَةً فَأَكْثَرَ فَدَلَالَةُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِئْصَالِ أَكْثَرُ مِنْ الْفِرَارِ وَإِمْسَاكُ الْمُحْصَنَةِ لِيُزْنَى بِهَا أَكْثَرُ مِنْ قَذْفِهَا، وَمَنْ جَعَلَ الْمُعَوَّلَ) أَيْ الضَّابِطَ لِلْكَبِيرَةِ (أَنْ يَدُلَّ الْفِعْلُ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِ دِينِهِ ظَنَّهُ) أَيْ هَذَا الضَّابِطَ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَا قَبْلَهُ (مَعْنًى) وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُلَازَمَةً وَكَأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِمَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالدِّينِ دَلَالَةَ أَدْنَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ اهـ.
أَيْ مَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا فِي دِينِهِ إشْعَارَ مَا هُوَ الْأَصْغَرُ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْقَيْدَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ لِلْمُعَرَّضِ بِهِ (وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ صَغَائِرُ دَالَّةٌ عَلَى خِسَّةٍ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَاشْتِرَاطِ) أَخْذِ الْأُجْرَةِ (عَلَى) سَمَاعِ (الْحَدِيثِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَلَا يَعْرَى إطْلَاقُ هَذَا عَنْ نَظَرٍ نَعَمْ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ أَخَذَ عَلَى التَّحْدِيثِ أَجْرًا وَرَخَّصَ آخَرُونَ فِيهِ كَالْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي هَذَا مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ وَالظَّنُّ يُسَاءُ بِفَاعِلِهِ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ يَنْفِي ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا مُعِيلًا وَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّحْدِيثِ يَمْنَعُهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ لِعِيَالِهِ (وَبَعْضِ مُبَاحَاتٍ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ) فَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute