للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ عَزْلًا وَتَوْكِيلًا بِحَسْبِ مَا يُعْرَضُ لَهُمْ مِنْ الْحَاجَاتِ ضَرُورَةً فَلَوْ شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُشْتَرَطْ دَفْعًا

لِلْحَرَجِ

(وَشَرَطَ) أَبُو حَنِيفَةَ (عَدَالَتَهُ أَوْ الْعَدَدَ) أَيْ كَوْنَ الْمُخْبِرِ الْفُضُولِيِّ اثْنَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْإِخْبَارَ (لِإِلْزَامِ الضَّرَرِ) فِيهِ فَإِنَّ بَعْدَ الْعَزْلِ يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَأْذُونِ (كَالثَّانِي) أَيْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ حَقًّا لِلْعَبْدِ فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ (وَلِوِلَايَةِ مَنْ) يَتَوَصَّلُ الْفُضُولِيُّ (عَنْهُ فِي ذَلِكَ) التَّصَرُّفِ (كَالثَّالِثِ) أَيْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا كَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ (فَتَوَسَّطْنَا) فِي الْقَوْلِ فِي هَذَا بِالِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ إعْمَالًا (لِلشَّبَهَيْنِ) لِأَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُوَفَّرُ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ الْفُضُولِيِّ إذَا كَانَ وَاحِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهَا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَيْضًا لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقَيْنِ كَخَبَرِ فَاسِقٍ فِي أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُلْزِمًا فَلَا يَكُونُ لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَائِدَةٌ

قَالُوا وَالِاخْتِلَافُ نَشَأَ مِنْ لَفْظِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حِجْرًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْعَدَالَةَ لِلْمَجْمُوعِ وَبَعْضُهُمْ لِلرَّجُلِ فَقَطْ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ لِلْعَدَدِ تَأْثِيرًا فِي الِاطْمِئْنَانِ بَلْ تَأْثِيرُهُ أَقْوَى مِنْ الْعَدَالَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لَا يَنْفُذُ وَبِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ فِي الرَّجُلَيْنِ الْعَدَالَةَ كَانَ ذِكْرُهُ ضَائِعًا وَيَكْفِي أَنْ يُقَالَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ اشْتِرَاطَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ الذُّكُورِيَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ فَلِذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَشْتَرِطَ سَائِرَ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يُقْبَلَ خَبَرُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَجَزَمَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ شَرْطًا مَعَ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ لَذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إخْرَاجًا حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَةٌ عَدْلَةٌ أَوْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ (وَإِخْبَارُ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ قِيلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي) لُزُومِ (الْقَضَاءِ) لِمَا فَاتَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْإِخْبَارَ إخْبَارٌ (عَنْ الشَّارِعِ بِالدِّينِ وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ (عَلَى الْخِلَافِ) الَّذِي فِي الْعَزْلِ وَالْحَجْرِ (وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ) قَالَ (الْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ (الْقَضَاءُ) اتِّفَاقًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُخْبِرَ (رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِالتَّبْلِيغِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا كَمَا سَمِعَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا» وَقَدْ بَيَّنَّا فِي خَبَرِ الرَّسُولِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْمُرْسَلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُرْسَلِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ صَحَّ) هَذَا (انْتَفَى اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الرُّوَاةِ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبْلِيغِ عَلَى هَذَا وَانْتِفَاءُ اشْتِرَاطِهَا فِيهِمْ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا (فَإِنَّمَا ذَاكَ) أَيْ الرَّسُولُ الَّذِي خَبَرُهُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْمُرْسَلِ (الرَّسُولُ الْخَاصُّ بِالْإِرْسَالِ) لَا مُطْلَقًا وَهَذَا الْمُخْبِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَمُسَوِّغُ الرِّوَايَةِ التَّحَمُّلُ وَبَقَاؤُهُ) أَيْ التَّحَمُّلِ (وَهُمَا) أَيْ التَّحَمُّلُ وَبَقَاؤُهُ (عَزِيمَةٌ) وَرُخْصَةٌ (وَكَذَا الْأَدَاءُ) لَهُ عَزِيمَةٌ وَرُخْصَةٌ (فَالْعَزِيمَةُ فِي التَّحَمُّلِ أَصْلُ قِرَاءَةِ الشَّيْخِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ) عَلَيْك وَأَنْتَ تَسْمَعُ (وَقِرَاءَتُك أَوْ) قِرَاءَةُ (غَيْرِك كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ عَلَى الشَّيْخِ (وَهُوَ يَسْمَعُ) سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْخُ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ أَوْ لَا لَكِنْ مُمْسِكٌ أَصْلِهِ هُوَ أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَارِئُ يَقْرَأُ فِيهِ عَلَى هَذَا عَمَلُ كَافَّةِ الشُّيُوخِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَهَكَذَا إنْ كَانَ ثِقَةٌ مِنْ السَّامِعِينَ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَى الشَّيْخِ وَالْحَافِظُ لَهُ مُسْتَمِعٌ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ فَذَلِكَ كَافٍ أَيْضًا (وَهِيَ) أَيْ قِرَاءَتُك أَوْ غَيْرِك عَلَى الشَّيْخِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ (الْعَرْضُ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ الْقَارِئَ يَعْرِضُ عَلَى الشَّيْخِ مَا يَقْرَؤُهُ كَمَا يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى الْمُقْرِئِ فَيَقُولُ أَهُوَ كَمَا قَرَأْت عَلَيْك (فَيَعْتَرِفُ) وَلَوْ بِنَعَمْ (أَوْ يَسْكُتُ وَلَا مَانِعَ) مِنْ السُّكُوتِ عَلَى مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالنُّظَّارِ (خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>