للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْمُ مِنْ قَبِيلِ الْأَضْدَادِ إنْ كَانَ الْمَعْنَيَانِ مُتَضَادَّيْنِ أَوْ يَضَعُوا لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ اسْمًا آخَرَ أَيْضًا (فَيَقَعُ التَّرَادُفُ) بَيْنَ ذَيْنِك الِاسْمَيْنِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا التَّجْوِيزِ فَيَتَحَرَّرُ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ، وَأَعْلَامُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ.

وَإِنَّمَا ذَهَبَ مِنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١] فَإِنَّ تَعْلِيمَهُ تَعَالَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَمِيعَهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِحَاطَةِ بِهَا ظَاهِرٌ فِي إلْقَائِهَا عَلَيْهِ مُبِينًا لَهُ مَعَانِيهَا إمَّا بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ بِهَا فِيهِ أَوْ إلْقَاءٍ فِي رَوْعِهِ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى سَابِقَةِ اصْطِلَاحٍ لِيَتَسَلْسَلَ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى سَابِقَةِ وَضْعٍ، وَالْأَصْلُ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَضْعُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ آدَمَ، وَمِمَّنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الزَّمَانِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَيَكُونُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ثَانِيهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأَصْحَابُ أَبِي هَاشِمٍ) الْمُعْتَزِلِيِّ الْمَشْهُورِ يُعَبَّرُ عَنْهُمْ بِالْبَهْشَمِيَّةِ يَقُولُونَ الْوَاضِعُ (الْبَشَرُ آدَم وَغَيْرُهُ) بِأَنْ انْبَعَثَتْ دَاعِيَتُهُمْ إلَى وَضْعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا ثُمَّ عَرَفَ الْبَاقُونَ بِتَعْرِيفِ الْوَاضِعِ أَوْ بِتَكْرَارِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَعَ قَرِينَةِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فِي تَعْلِيمِ الْأَطْفَالِ وَيُسَمَّى هَذَا بِالْمَذْهَبِ الِاصْطِلَاحِيِّ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤] أَيْ بِلُغَةِ قَوْمِهِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ وَبُعِثَ فِيهِمْ، وَإِطْلَاقُ اللِّسَانِ عَلَى اللُّغَةِ مَجَازٌ شَائِعٌ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ الْعَادِي، وَهُوَ مُرَادٌ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ.

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا النَّصِّ أَنَّهُ (أَفَادَ) هَذَا النَّصُّ (نِسْبَتَهَا) أَيْ اللُّغَةِ (إلَيْهِمْ) سَابِقَةً عَلَى الْإِرْسَالِ إلَيْهِمْ (وَهِيَ) أَيْ وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِمْ كَذَلِكَ (بِالْوَضْعِ) أَيْ يَتَعَيَّنُ ظَاهِرًا أَنْ تَكُونَ بِوَضْعِهِمْ؛ لِأَنَّهَا النِّسْبَةُ الْكَامِلَةُ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَمْلُ عَلَى الْكَامِلِ (وَهُوَ) أَيْ، وَهَذَا الْوَجْهُ (تَامٌّ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْوَاضِعَ الْبَشَرُ (وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ) أَيْ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا النَّصِّ (دَوْرًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الدُّورُ الْمَمْنُوعُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَاضِعُ اللَّهَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَرَّرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (كَذَا دَلَّ) هَذَا النَّصُّ (عَلَى سَبْقِ اللُّغَاتِ الْإِرْسَالَ) إلَى النَّاسِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي إفَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا لِلْقَوْمِ لِسَانٌ أَيْ لُغَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَهُمْ فَيُبْعَثُ الرَّسُولُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ إلَيْهِمْ (وَلَوْ كَانَ) أَيْ حُصُولُ اللُّغَاتِ لَهُمْ (بِالتَّوْقِيفِ) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا يُتَصَوَّرُ) التَّوْقِيفُ (إلَّا بِالْإِرْسَالِ) لِلرُّسُلِ إلَيْهِمْ (سَبَقَ الْإِرْسَالُ لِلُّغَاتِ فَيَدُورُ) لِتَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْ الْإِرْسَالِ وَاللُّغَاتِ عَلَى الْآخَرِ وَحَيْثُ كَانَ الدَّوْرُ بَاطِلًا كَانَ مَلْزُومُهُ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَاضِعِ هُوَ اللَّهَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَلْزُومَ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ (فَغَلَطٌ لِظُهُورِ أَنَّ كَوْنَ التَّوْقِيفِ لَيْسَ إلَّا بِالْإِرْسَالِ إنَّمَا يُوجِبُ سَبْقَ الْإِرْسَالِ عَلَى التَّوْقِيفِ لَا) أَنَّهُ يُوجِبُ سَبْقَ الْإِرْسَالِ (اللُّغَاتِ بَلْ) هَذَا النَّصُّ (يُفِيدُ سَبْقَهَا) أَيْ اللُّغَاتِ عَلَى الْإِرْسَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَبْقِهَا عَلَيْهِ سَبْقُ التَّوْقِيفِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِجَوَازِ وُجُودِهَا بِدُونِهِ فَلَا دَوْرَ.

وَحِينَئِذٍ (فَالْجَوَابُ) مِنْ قِبَلِ التَّوْقِيفِيَّةِ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِلِاصْطِلَاحِيَّةِ (بِأَنَّ آدَمَ عُلِّمَهَا) بِلَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَبُنِيَ لَهُ لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ، وَهُوَ اللَّهُ أَيْ عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ الْأَسْمَاءَ (وَعَلَّمَهَا) آدَم غَيْرَهُ (فَلَا دَوْرَ) إذَا تَعْلِيمُهُ بِالْوَحْيِ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْوَحْيِ عَلَى اللُّغَاتِ لَا تَقَدُّمَ الْإِرْسَالِ إذْ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ وَحْيٌ بِاللُّغَاتِ وَغَيْرِهَا وَلَا إرْسَالَ لَهُ إلَى قَوْمٍ لِعَدَمِهِمْ وَبَعْدَ أَنْ وُجِدُوا وَتَعْلَمُوا اللُّغَاتِ مِنْهُ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ (وَبِمَنْعِ حَصْرِ) طَرِيقِ (التَّوْقِيفِ عَلَى الْإِرْسَالِ) أَيْ وَالْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ التَّوْقِيفِيَّةِ عَنْ اسْتِدْلَالِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا أَيْضًا (لِجَوَازِهِ) أَيْ التَّوْقِيفِ مِنْ اللَّهِ (بِالْإِلْهَامِ) بِأَنْ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى فِي رَوْعِ الْعَاقِلِ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ أَنَّ وَاضِعًا مَا وَضَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ بِإِزَاءِ هَذِهِ الْمَعَانِي (ثُمَّ دَفْعَهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ (بِخِلَافِ الْمُعْتَادِ) أَيْ بِأَنَّ عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَادُ فِي التَّعْلِيمِ التَّفْهِيمُ بِالْخِطَابِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا لَمْ يَقْطَعْ بِعَدَمِهِ فَلَا أَقِلَّ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلظَّاهِرِ مُخَالَفَةً قَوِيَّةً فَلَا يُتْرَكُ الظَّاهِرُ لِمُجَرَّدِهِ.

ثُمَّ قَوْلُهُ (ضَائِعٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ فَالْجَوَابُ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ضَيَاعِهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مَا بُنِيَ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِ مِنْ دَعْوَى الدَّوْرِ لَمْ يَتِمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>