(بَلْ الْجَوَابُ) مِنْ قِبَلِ التَّوْقِيفِيَّةِ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ لِلِاصْطِلَاحِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ التَّامِّ بِمَطْلُوبِهِمْ (أَنَّهَا) أَيْ الْإِضَافَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤] (لِلِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا فِي التَّعْبِيرِ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ اللُّغَاتِ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) اخْتِصَاصُهُمْ بِهَا (وَضَعَهُمْ) أَيْ أَنْ يَكُونُوا هُمْ الْوَاضِعِينَ لَهَا (بَلْ يَثْبُتُ مَعَ تَعْلِيمِ آدَمَ بَنِيهِ إيَّاهَا وَتَوَارُثِ الْأَقْوَامِ فَاخْتَصَّ كُلٌّ بِلُغَةٍ) أَيْ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا مُخْتَصِّينَ بِهَا بِعَدَمِ وَضْعِهِ تَعَالَى إيَّاهَا وَتَوْقِيفِهِمْ عَلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى وَضَعَهَا، وَعَلَّمَهَا لِآدَمَ ثُمَّ آدَم عَلَّمَهَا لِبَنِيهِ ثُمَّ مَا زَالَ الْخَلَفُ مِنْهُمْ يَتَوَارَثُهَا مِنْ السَّلَفِ إلَى أَنْ تَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِإِرْثِ لُغَةٍ وَاخْتَصَّ بِهَا دُونَ مَنْ سِوَاهُ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يُسَوِّغُ الْإِضَافَةَ وَلَا سِيَّمَا وَالْكَلَامُ الْفَصِيحُ طَافِحٌ بِإِضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَمَا الظَّنُّ بِمِثْلِ هَذَا، وَهَذَا الْجَائِزُ مُعَارِضٌ لِذَلِكَ الْجَائِزِ ثُمَّ يَتَرَجَّحُ هَذَا بِمُوَافَقَتِهِ لِظَاهِرِ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ} [البقرة: ٣١] ، وَمُخَالَفَةِ ذَاكَ لِهَذَا الظَّاهِرِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضِينَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِهَذَا الْوَجْهِ فَيَتَعَيَّنُ (، وَأَمَّا تَجْوِيزُ كَوْنِ عَلَّمَ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَادِ بِعَلَّم آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا (أَلْهَمَهُ الْوَضْعَ) بِأَنْ بَعَثَ دَاعِيَتَهُ لَهُ، وَأَلْقَى فِي رَوْعِهِ كَيْفِيَّتَهُ حَتَّى فَعَلَ وَسَمَّى ذَلِكَ تَعْلِيمًا مَجَازًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء: ٨٠] ، وَأَطْلَقَ الْأَسْمَاءَ، وَأَرَادَ وَضَعْهَا لِكَوْنِهَا مُتَعَلَّقَةً كَمَا هَذَا تَأْوِيلٌ مِنْ الِاصْطِلَاحِيَّةِ لِدَفْعِ الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّوْقِيفِيَّةِ (أَوْ مَا سَبَقَ وَضْعُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ) أَيْ أَوْ أَلْهَمَهُ الْأَسْمَاءَ السَّابِقَ وَضْعُهَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ آدَمَ فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ جَانًّا قَبْلَ آدَمَ، وَأَسْكَنَهُمْ الْأَرْضَ ثُمَّ أَهْلَكَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ لُغَةً كَمَا هَذَا تَأْوِيلٌ آخَرُ مِنْ الِاصْطِلَاحِيَّةِ لِدَفْعِ الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّوْقِيفِيَّةِ (فَخَالَفَ الظَّاهِرُ) مِنْ الْآيَةِ مُخَالَفَةً قَوِيَّةً وَنَحْنُ نَدَّعِي الظُّهُورَ، وَالِاحْتِمَالَاتُ الْبَعِيدَةُ لَا تَدْفَعُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ تَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى آدَمَ الْأَسْمَاءَ تَعْرِيفُ اللَّهِ إيَّاهُ الْأَلْفَاظَ الْمَوْضُوعَةَ لِمَعَانِيهَا وَتَفْهِيمُهُ بِالْخِطَابِ لَا بِالْإِلْهَامِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وَضْعٍ سَابِقٍ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ الْمُشَارَ إلَيْهِمْ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَلْزَمْ أَنَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ كَانَتْ لَهُمْ وَلَا يُصَارُ إلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ إلَّا بِدَلِيلٍ كَالْإِجْمَاعِ فِي، وَعَلَّمْنَاهُ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا ثُمَّ لَمَّا لَزِمَ مِنْ هَذَا ظَنُّ كَوْنِ اللُّغَاتِ تَوْقِيفِيَّةً وَاشْتُهِرَ أَنْ لَا ظَنَّ فِي الْأُصُولِ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَقَاصِدِهِ.
فَقَالَ (وَالْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةٌ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، وَالْمَبَادِئُ فِيهَا تَغْلِيبٌ) أَيْ، وَإِطْلَاقُ الْمَبَادِئِ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ تَغْلِيبٌ لِمَا هُوَ مِنْهَا لِكَثْرَتِهِ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْهَا لِقِلَّتِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْمَبْدَئِيَّةُ فِيهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ التَّغْلِيبِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ الطُّوفِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ رِيَاضِيَّاتِ الْفَنِّ لَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ اهـ. عَلَى أَنَّ مَبَاحِثَ الْأَلْفَاظِ قَدْ يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ بَلْ قَدْ يُكْتَفَى بِالظَّنِّ فِي الْأُصُولِ كَمَا فِي كَيْفِيَّةِ إعَادَةِ الْمَعْدُومِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِالِاعْتِقَادِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا الْقَطْعُ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي دَرْسِهِ مِنْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عِلْمِيَّةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِ ظَاهِرِيَّةِ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إذْ الظُّنُونُ لَا تُفِيدُ إلَّا فِي الْعَمَلِيَّاتِ. وَقَوْلُهُ (كَاَلَّتِي تَلِيهَا) أَيْ كَمَا أَنَّ الْأُمُورَ السَّابِقَةِ عَلَى هَذِهِ مِنْ تَعْرِيفِ اللُّغَةِ وَبَيَانِ سَبَبِ وَضْعِهَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لِهَذَا الْعِلْمِ، وَالْمَبْدَئِيَّةُ فِيهَا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا فَفَاعِلُ تَلِيهَا ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَرْجِعُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَفْعُولُهُ الَّذِي هُوَ الْهَاءُ يَرْجِعُ إلَى الْمَوْصُوفِ الْمُقَدَّرِ بَيْنَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَيْ كَالْأُمُورِ الَّتِي تَلِيهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْ كَمَا أَنَّ الْأُمُورَ الْآتِيَةُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ بَيَانِ هَلْ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مُعْتَبَرَةٌ؟ . وَبَيَانُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَطُرُقُ مَعْرِفَةِ اللُّغَاتِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لِهَذَا الْعِلْمِ، وَالْمَبْدَئِيَّةُ فِيهَا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا فَفَاعِلُ تَلِيهَا ضَمِيرُهُ مُسْتَتِرٌ يَرْجِعُ إلَى الْأُمُورِ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُوفُ الْمُقَدَّرُ، وَمَفْعُولُهُ الَّذِي هُوَ الْهَاءُ يَرْجِعُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ كَالْأُمُورِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ السَّوَابِقَ، وَهَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute