للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ فَلِأَنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ إذَا تَقَرَّرَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ فَكَانَ رَفْعًا لِلثُّبُوتِ لَا رَفْعًا لِلثَّابِتِ فَهُوَ حِينَئِذٍ تَخْصِيصٌ لَا نَسْخٌ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ إلَخْ (احْتِرَازٌ) عَنْ قَوْلِ الْعَدْلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ قَوْلُ الْعَدْلِ (لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا (لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ بِقَوْلِ الشَّارِعِ قَالَهُ هُوَ) أَيْ الْعَدْلُ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ (وَالتَّرَاخِي لِإِخْرَاجِ الْمُقَيَّدِ بِإِلْغَائِهِ) وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ فَأَنَّ أَفْعَلُهُ إلَى يَوْمِ كَذَا يُوجِبُ ارْتِفَاعَ التَّكْلِيفِ فِي يَوْمِ كَذَا بِالْغَايَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَرَاخِيَةٍ عَنْ التَّكْلِيفِ بِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ صِحَّتَهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ (تُوجِبُ اعْتِبَارَ قَوْلِ الْعَدْلِ دَاخِلًا) فِي تَعْرِيفِهِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَرَزُ عَمَّا لَيْسَ بِدَاخِلٍ (فَلَا يَنْدَفِعُ) إيرَادُ قَوْلِ الْعَدْلِ وَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَنْ الْآخَرَيْنِ) الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لِإِيجَابِهِ حَمْلَ الدَّالِّ عَلَى أَعَمِّ مِمَّا يَكُونُ بِالذَّاتِ (وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ) أَيْ دَفْعُ الْإِيرَادِ عَنْهُمَا (بِادِّعَاءِ أَنَّهُ) الدَّالُّ بِالذَّاتِ هُوَ (الْمُتَبَادَرُ مِنْ الدَّالِّ لَزِمَ الِاسْتِدْرَاكُ) الْمَذْكُورُ عَلَى الْغَزَالِيِّ وَخُصُوصًا حَيْثُ وَصَفَ بِهِ الْخِطَابَ وَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ خِطَابَ الشَّارِعِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ هُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَارَ الْحَالُ بَيْنَ انْدِفَاعِ قَوْلِ الْعَدْلِ وَفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ وَلُزُومِ الِاسْتِدْرَاكِ لِلْغَزَالِيِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ لَوْلَاهُ إلَخْ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا مِنْ إرَادَةِ الدَّالِّ بِالذَّاتِ وَدَفْعٌ لِمَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِ الدَّلَالَةِ وَلَا يَقْدَحُ فِي التَّعْرِيفِ التَّصْرِيحُ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لَوْلَا فَهْمُ خِطَابِ الشَّارِعِ مِنْ الْخِطَابِ هُنَا وَبَيْنَ انْدِفَاعِهِمَا عَنْ تَعْرِيفِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْرَاكٍ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِيهِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا وَعَدَمُ انْدِفَاعِهِمَا عَنْ الْآخَرَيْنِ إلَّا الثَّالِثَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ

(وَيَنْدَفِعُ قَوْلُ الرَّاوِي) نُسِخَ كَذَا (عَنْ الثَّالِثِ أَيْضًا بِأَنَّهُ) أَيْ قَوْلَهُ (لَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْمُتَبَادَرِ) ، وَكَذَا فِعْلُ الرَّسُولِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ النَّصَّ لَيْسَ بِمُخْرِجٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا بَلْ قَدْ وَقَدْ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَفِعْلِ الرَّسُولِ قَدْ يَكُونُ نَصًّا كَمَا يَكُونُ ظَاهِرًا وَمُجْمَلًا هَذَا إنْ أُرِيدَ بِالنَّصِّ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ وَإِنْ أُرِيدَ مَا يُقَابِلُ الْإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَخُرُوجُ قَوْلِ الْعَدْلِ وَدُخُولُ فِعْلِ الرَّسُولِ ظَاهِرٌ هَذَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ النَّسْخَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ لِمُدَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا رَفْعٌ وَتَبْدِيلٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا تَبْدِيلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مُؤَقَّتٌ وَمِنْ وَقْتِ كَذَا إلَى وَقْتِ كَذَا كَانَ النَّسْخُ بَيَانًا مَحْضًا لِمُدَّةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا كَانَ الْبَقَاءُ فِيهِ أَصْلًا ظَاهِرٌ فِي حَقِّنَا لِجَهْلِنَا بِمُدَّتِهِ فَالنَّسْخُ يَكُونُ تَبْدِيلًا لَهُ بِآخَرَ فِي حَقِّنَا كَالْقَتْلِ بَيَانٌ مَحْضٌ لِلْأَجَلِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَقْتُولٌ بِأَجَلِهِ وَفِي حَقِّنَا تَبْدِيلٌ لِلْحَيَاةِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْحَيَاةُ لَوْلَا مُبَاشَرَةُ قَتْلِهِ وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ الْحُقُوقِ، وَالْحَقُّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ وَاقِعٌ عِنْدَ اللَّهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ فَمُتَعَدِّدٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ وَهَذَا الْحَقُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ وَاحِدٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ بَيَانًا مَحْضًا لَا رَفْعًا وَهُوَ كَالْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا عَلَامَاتٌ مَحْضَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِعِ وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا

قُلْت: وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْ الْمُعْتَرِضِ وَالْمُجِيبِ فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ مُتَعَدِّدٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَهُ اعْتِبَارَانِ مُخْتَلِفَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِهَتَيْنِ كَمَا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالْوَقْتِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ بِاعْتِبَارَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِهَتَيْنِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَكَمْ لَهُ مِنْ أَمْثَالٍ غَيْرَ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيَانِ كَمَا ذَكَرْنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيَانَ إظْهَارُ حُكْمِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ وُجُودِهَا ابْتِدَاءً وَالنَّسْخَ رَفْعٌ بَعْدَ الثُّبُوتِ فَكَانَا غَيْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ النَّسْخُ بَيَانَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ أَمَّا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَرَفْعُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ وَالْبَيَانُ إنَّمَا يَكُونُ بَيَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ لَا إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ لِعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَجَعَلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ بَيَانًا كَمَا سَلَفَ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ فِعْلُ الشَّارِعِ وَحَقِيقَتُهُ إظْهَارُ مُدَّةِ الْحُكْمِ لِلْعِبَادِ وَأَمَّا كَوْنُهُ رَفْعًا لِمَا هُوَ الْمُسْتَمِرُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>