لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، ثُمَّ قَدْ كَانَ الْوَجْهُ أَيْضًا إبْدَالٌ شَرْعِيٌّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ قَدْ يَكُونُ بِلَا بَدَلٍ فَلَا يَنْطَبِقُ التَّعْرِيفُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ
(وَيُعْلَمُ التَّأَخُّرُ) أَيْ التَّرَاخِي لِلرَّفْعِ عَنْ ثُبُوتِ التَّعَلُّقِ (مِنْ) ذِكْرِ (الرَّفْعِ) نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ الثُّبُوتِ لِلْمَرْفُوعِ فَيَكُونُ الرَّفْعُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ضَرُورَةً وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا التَّأَخُّرَ بِالتَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ قَدْ يَكُونُ مُخَصِّصًا لَا نَاسِخًا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُخَصِّصِ الْأَوَّلِ وَقَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ التَّصْرِيحُ بِهِ فَيُقَالُ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مُتَرَاخٍ، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا التَّعْرِيفُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُخَصِّصِ الثَّانِي إذَا كَانَ مُتَرَاخِيًا وَهَلُمَّ جَرَّا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَسْخٍ نَعَمْ لَا يَضُرُّ هَذَا الْمُصَنِّفَ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ اشْتِرَاطَ الْمُقَارَنَةِ فِي سَائِرِ الْمُخَصِّصَاتِ السَّمْعِيَّةِ فَالْمُخَصِّصُ الْمُتَرَاخِي مِنْهَا نَاسِخٌ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - (وَالسَّمْعِيُّ الْمُسْتَقِلُّ) بِنَفْسِهِ (دَلِيلُهُ) أَيْ الرَّفْعِ الَّذِي هُوَ النَّسْخُ (وَقَدْ يَجْعَلُ) النَّسْخُ (إيَّاهُ) أَيْ الدَّلِيلَ (اصْطِلَاحًا فِي قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى ظُهُورِ انْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ) قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ دَائِمًا فِي عِلْمِ اللَّهِ دَوَامًا مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ وَأَجَلُ الدَّوَامِ أَنْ يَظْهَرَ انْتِفَاءُ ذَلِكَ الشَّرْطِ لِلْمُكَلَّفِ فَيَنْقَطِعَ الْحُكْمُ وَيَبْطُلَ دَوَامُهُ وَمَا ذَلِكَ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ تَعَالَى إيَّاهُ فَإِذَا قَالَ قَوْلًا دَالًّا عَلَيْهِ فَذَلِكَ هُوَ النَّسْخُ (وَالْغَزَالِيُّ) وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ (الْخِطَابُ الدَّالُ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ كَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ) وَقَالَ الْخِطَابَ لِيَعُمَّ اللَّفْظَ وَالْفَحْوَى وَالْمَفْهُومَ لِجَوَازِ النَّسْخِ بِجَمِيعِهَا وَيَخْرُجُ الْمَوْتُ وَنَحْوُهُ، وَمِمَّا يَرْفَعُ الْأَحْكَامَ وَالْخِطَابَ الْمُقَرِّرَ لِلْحُكْمِ وَقَالَ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ لِيَتَنَاوَلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْخَبَرَ وَيَعُمَّ أَنْوَاعَ الْحُكْمِ مِنْ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ وَالْوُجُوبِ، فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ قَدْ يُنْسَخُ وَقَالَ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِبَادَاتِ فِي الشَّرْعِ يُزِيلُ حُكْمَ الْعَقْلِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَلَا يُسَمَّى نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ حُكْمَ خِطَابٍ وَقَالَ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّسْخِ الرَّفْعُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ رَفْعًا لَوْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ بِحَيْثُ لَوْلَا طَرَيَانُهُ لَبَقِيَ فَخَرَجَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ مِثْلُ «لَا تَصُومُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» بَعْدَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] فَإِنَّهُ لَيْسَ نَسْخًا وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا وَقَالَ مَعَ تَرَاخِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِهِ لَكَانَ بَيَانًا لِمُدَّةِ الْحُكْمِ لَا نَسْخًا لَهُ كَالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ
(وَمَا قِيلَ:) وَعَزَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى الْفُقَهَاءِ (النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى انْتِهَاءِ أَمَدِ الْحُكْمِ) أَيْ غَايَتِهِ (مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْ مَوْرِدِهِ) أَيْ زَمَانِ وُرُودِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَيَانِ الْمُتَّصِلِ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا كَلَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ عَقِبَ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلٍ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ وَالشَّرْطِ وَالْوَصْفِ (فَإِنَّهُ اُعْتُرِضَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى هَذِهِ التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ (بِأَنَّ جِنْسَهَا) مِنْ اللَّفْظِ وَالْخِطَابِ وَالنَّصِّ (دَلِيلُهُ) أَيْ طَرِيقُ النَّسْخِ الْمُعَرِّفِ لَهُ (لَا هُوَ) أَيْ النَّسْخُ (وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِهِ) أَيْ الْتِزَامِ كَوْنِ جِنْسِهَا دَلِيلًا دَلِيلُ النَّسْخِ فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنْ لَا ضَيْرَ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ لَهُ غَايَتُهُ أَنَّ إطْلَاقَ النَّسْخِ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَمَجَازٌ لُغَوِيٌّ فَلَيْسَ النَّسْخُ اصْطِلَاحًا إلَّا ذَلِكَ الْقَوْلَ (كَمَا أَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلَ هُوَ (الْحُكْمُ، وَهَذَا) أَيْ يَكُونُ النَّسْخُ الْحُكْمَ وَلَيْسَ إلَّا ذَلِكَ الْقَوْلَ (إنَّمَا يَصِحُّ فِي) الْكَلَامِ (النَّفْسِيِّ وَالْمَجْعُولِ جِنْسًا) فِي هَذِهِ التَّعَارِيفِ إنَّمَا هُوَ (اللَّفْظُ) الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْخِطَابُ (جُعِلَ دَالًّا لَنَا وَالنَّفْسِيَّ مَدْلُولٌ) عَلَيْهِ بِهِ (وَأَيْضًا يَدْخُلُ قَوْلُ الْعَدْلِ نُسِخَ) حُكْمُ كَذَا فِي التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ لِصِدْقِهَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ فَلَا تَكُونُ مُطَّرِدَةً (وَيَخْرُجُ) عَنْهَا (فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إذْ قَدْ يَكُونُ النَّسْخُ بِهِ فَلَا تَكُونُ مُنْعَكِسَةً (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِالدَّالِّ فِي التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ (الدَّالُّ بِالذَّاتِ) أَيْ بِحَسَبِهَا لَا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ
(وَهُمَا) أَيْ قَوْلُ الْعَدْلِ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (دَلِيلَا ذَلِكَ) أَيْ الدَّالِّ بِالذَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالِّ عَلَى انْتِهَاءِ الْحُكْمِ (لَا هُوَ) أَيْ الدَّالِّ بِالذَّاتِ (وَخَصَّ الْغَزَالِيُّ بِوُرُودِ اسْتِدْرَاكٍ عَلَى وَجْهٍ إلَخْ) أَمَّا لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا فَلِأَنَّ الرَّفْعَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute